Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 35-38)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم وصفهم فقال : { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [ الحج : 35 ] والوجل عند الذكر على حسب تجلي الحق للقلب { وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ } [ الحج : 35 ] أي : الجامدين تحت جريان الحكم من غير استكراه ، ولا تمني خَرْجةٍ ، ولا زَوْمِ فُرْجةٍ ، بل يستَسلِمُون طوعاً ، وأيضاً الحافظين مع الله تعالى أسرارهم لا يطلبون الشكور باطلاع الخلق على أحوالهم . وقوله تعالى : { وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ } [ الحج : 35 ] أي : المديمي النجوى مع الله ؛ لقوله تعالى : { هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } [ المعارج : 23 ] قال شاعرهم : @ إذا ما تمنى الناس راحة وراحة تمنيت أن أشكو إليك ولا تسمع @@ { وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ } [ الحج : 35 ] أي : ما رزقوا من الوجود بذلوا ما رزقوا بالجود ، وأنفقوا على طلاب المقصود . ثم أخبر عن نظائر الشعائر بقوله تعالى : { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } [ الحج : 36 ] يشير إلى : قربان بهيمة النفس عند كعبة القلب ، وأنه من أعلام دين الله ، وشعار أهل الصدق في الطلب ، وأن الخير في قربانها وذبحها بسكين الصدق . وقوله تعالى : { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } [ الحج : 36 ] أي : تقربوا بذبحها إلى الله تعالى صافية خالصة لا للدنيا وتمتعاتها ، ولا للآخرة ونعيمها على قراءة من قرأ صوافي قرأ أبي والحسن والمجاهد صوافي بالياء ؛ أي : صافية خالصة لله تعالى ، وفيه إشارة أخرى : وفي أن وفد الله وزواره لا يصلون إلى كعبة الوصال إلا بعد ذبح النفس في منى المنى { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } [ الحج : 36 ] أي : ماتت النفس على طبيعتها { فَكُلُواْ مِنْهَا } [ الحج : 36 ] أي : فانتفعوا بها { وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ } [ الحج : 36 ] أي : الذي يقنع بما أعطيته { وَٱلْمُعْتَرَّ } [ الحج : 36 ] أي : الذي هو طالب صادق متعطش لا يروى مما نسقيه ويستزيد منك مما قيل : @ شربت الحب كأساً بعد كأسٍ فما نفذ الشراب وما رويت @@ وبقوله تعالى : { كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ الحج : 36 ] يشير إلى أن ذبح النفس بسكين الصدق وتوفيق الله تعالى ، وذلك نعمة منه موجبة للشكر له وبقوله تعالى : { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } [ الحج : 37 ] يشير إلى أن المقصود من ذبح الذبح ليس مطلق ذبحها بكثرة المجاهدة ، فإنه لا يقبل مطلق الذبح { وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } [ الحج : 37 ] أي : يقبل خلوص نيتكم في ذبحها تقرباً إليه { كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } [ الحج : 37 ] أي كذلك سخرها لذبحكم إياها { لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } [ الحج : 37 ] أي : لتعظموا الله في الطلب على غيره من النفس وهواها والدنيا وشهواتها ؛ إذ ذلكم على ذبح النفس . ثم قال تعالى : { وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الحج : 37 ] أي : الذين يعبدون الله كأنهم يرونه واختاروا طلب الله ورضاه على النفس والدنيا وما سواه { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } [ الحج : 38 ] أي : يدافع خباثة النفس وهواها ، وبقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } [ الحج : 38 ] يشير إلى أن مدافعة خباثة النفس عن أهل الإيمان إنما كان لإزالة الخباثة وكفران النعمة ؛ لأنه لا يحب المتصفين بها ، وأنها تحب المؤمنين المخلصين عنها .