Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 51-62)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } [ المؤمنون : 51 ] يشير إلى أن المأكول إذا كان مما أحل لهم ومما هو محكوم بأنه طيب من لَوث الإسراف والشهوات بأمر الشرع لا بأمر الطبع يكون من نتائجه الأعمال الصالحات { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ المؤمنون : 51 ] بنياتكم وأحوال معاملاتكم { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ المؤمنون : 52 ] أي : في الإنسانية على طبيعة واحدة وأمر أمتكم وعللكم في الظلومية والجهولية علة واحدة { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ } أي : مربيكم ومعالجكم بعلاج الشرائع { فَٱتَّقُونِ } أي خافون وأطيعوا أمري في المعالجات بعلاج الشرائع { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً } [ المؤمنون : 53 ] أي : فتفرقوا في قبول المعالجة والتداوي ، فمنهم مستقيم على حق المعالجة مقيم على التداوي على وفق علاج طبيبهم ، ومنهم تائه في غيِّه مُصرٌّ على ترك المعالجة وعصيان الطبيب ، { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } أي : كل مربوط بحده موقوف على ما قسم له في البداية من نشأته كل ينتحل طريقة ويدعي بحسن طريقه حقيقة وهو فرحان بها ، وعند صحو سماء قلوب أرباب التوحيد لا غبار في الطريق وهم على يقين معارفهم فلا ريب ولا شبهة تتعالج ، وأهل البدع والأهواء في عمى جهلهم وغبار جحدهم وظلمة تقليدهم وغمرة شكهم . { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ } [ المؤمنون : 54 ] من الشك وخذلانهم في الغفلة { حَتَّىٰ حِينٍ } إلى أن تداركهم العناية الأزلية أو إرادتهم القهارية في الهلاك { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [ المؤمنون : 55 - 56 ] المنجيات { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } أنهم مطرودون عن الحضرة بسياط القهر في صورة اللطف ، فرأوه سراباً ظنوه شراباً ، وفعلاً في شهودهم صواباً ، فتوهموا عذاباً ، وحين لقوا عذاباً علموا أنهم لم يفعلوا صواباً . ثم أخبر عن المؤمنين المشفقين ، بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } [ المؤمنون : 57 ] يشير إلى إطراق السريرة في حال الوقوف بين يدي الله بشواهد الأدب واستيلاء سلطان الهيبة في الحضور والغيبة { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 58 ] أي : بما تكاشف لهم من شواهد الحق والسر والعلانية { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } [ المؤمنون : 59 ] أي : في التوجه إلى حضرته بصدق الطلب لا يلتفتون إلى ما سواه من الدنيا والآخرة ومن أعظم الشرك ملاحظة الخلق في الرد والقبول والفرح بمدحهم والانكسار بذمهم ، وأيضاً قصور النظر في المسار والمضار على الأسباب عند انقطاع النظر عن الله في أنه المسبب . قال الله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [ يوسف : 106 ] يعني : إنهم يتوهمون أن حصول الشفاء من شرب الدواء والشبع من الطعام ، فإذا كان الشرب مستكناً يرد اليقين عن توهم شيء من الخذلان إلا من التقدير فحينئذٍ يتقي من الشرك { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } بهذه الأقدام ومنقطعون عن { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [ المؤمنون : 60 ] أي : هم المتوجهون إلى الله تعالى المعرضون عمن سواه المسارعون بقدم الصدق والسعي الجميل على حسب ما سبقت لهم من الله الحسنة { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } على قدر سبق العناية . بقوله تعالى : { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ المؤمنون : 62 ] يشير إلى أنه تعلى جعل نفس الإنسان مستعدة لحمل ما كفلها بحمله كما كلف الناس أن يقولوا : لا إله إلا الله ، وهم قادرون على قولها وأمرهم بقبول دعوة الأنبياء ما بعثهم وما هم بعاجزين عنها وليس هذا من قبيل تكليف ما لا يطاق لأنه أطاقه كثير من الناس { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ } يعني : أم الكتاب { يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ } أي : بأنهم قادرون على ذلك { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } لما أخذوا بترك ما أمروا وهم قادرون على إتيانه .