Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 15-18)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن إعداد من لم يفسد الاستعداد بقوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } [ النمل : 15 ] والإشارة في تحقيق الآيات بقوله { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } [ النمل : 15 ] يشير إلى داود الروح وسليمان القلب وعلمهم إلهام الرباني وعلم الأسماء الذي علمه الله آدم عليه السلام والعلم اللدني لمن هو أهله { وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النمل : 15 ] أي : على الأعضاء والجوارح المستعملة في العبودية ، وفيه إشارة إلى تفضيل خواص الإنسان على خواص الملك حيث قال : { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 70 ] أراد بالكثير الجميع كما أراد بقوله : { فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النمل : 15 ] أي : على جميع من عباده المؤمنين لأنه لا ريب في أن فضيلة الأنبياء على جميع المؤمنين لا على بعضهم ، وإذا كان الكثير بمعنى الجميع يتناول الملائكة وغيرهم . وبقوله : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } [ النمل : 16 ] يشير إلى أن سليمان القلب يرث من داود الروح ، فإن كل وارد وإلهام وإشارة ووحي وفيض رباني يصدر من الحضرة الإلهية يكون عبوره على داود الروح ومن كان لطافته يعبر عنه فيصل إلى سليمان القلب ؛ لأن القلب بصفائه يقبله وبكثافته وصلابته يحفظه ، فلهذا شرف القلب على الروح ولذلك كان سليمان أقضى من داود وقال صلى الله عليه وسلم : " يا واصبة استفت قلبك " ولم يقل استفت روحك . { وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } [ النمل : 16 ] يخاطب النفوس الناسية { عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ } أي : الخواطر الملائكية والروحانية { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ } من الاستعداد الفطري ، وأسباب السلوك وما يحتاج إليه في الوصول إلى الحضرة { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } الذي قال تعالى : { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [ الحديد : 21 ] { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ } [ النمل : 17 ] أي : صفة الشيطانية { وَٱلإِنْس } أي صفة النفسانية ، { وَٱلطَّيْرِ } أي : صفة الملكية { فَهُمْ يُوزَعُونَ } عن طبيعتهم بالشريعة ليسخروا لسليمان القلب وينقادوا له { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ } [ النمل : 18 ] وهو هدى النفس الحريصة على الدنيا وشهواتها { قَالَتْ نَمْلَةٌ } [ النمل : 18 ] وهي النفس اللوامة . { يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ } [ النمل : 18 ] أي : الصفات النفسانية { ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ } [ النمل : 18 ] محالكم المختلفة وهي الحواس الخمس { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } [ النمل : 18 ] لا تهلكنكم { سُلَيْمَانُ } [ النمل : 18 ] القلب { وَجُنُودُهُ } [ النمل : 18 ] المسخرة له { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ النمل : 18 ] لأنهم الحق وأنتم الباطل ، فإذا جاء الحق وزهق الباطل كما أن الشمس إذا طلعت تبطل الظلمة وتنفيها وهي لا تشعر بحال الظلمة وما أصابها ، وقد أكرم الله سليمان القلب بكرامة على المنطق وفهم كل ناطق من عالم الروحانية والنفسانية .