Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 118-123)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن اتخاذ الغير بطانة فإنه يورث الخيانة بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ } [ آل عمران : 118 ] ، إشارة في الآيات : إن الله تعالى نهى عن مباطنة أهل السوء من الحديث وقال : { لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } [ آل عمران : 118 ] ؛ أي : لا يقصرون في إنكاركم ، والاعتراض عليكم والظن فيكم ، { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } [ آل عمران : 118 ] ؛ أي : أحبوا من نعيم الدنيا وزخارفها ، ومشتهيات النفس ، ومستحسنات الهوى ما نعمتموه وتركتموه ، ويشهد عليكم إنكارهم ؛ لدناءة همتهم وعلو همتكم ، وفرحوا بما قاسيتم من المجاهدات ومخالفات النفس ، وترك الشهوات واللذات ، والتزام الفقر وتحمل الأذى ، والصبر على المكروهات ، وابغضوهم لتناكر الأرواح واختلاف أحوال الأشباح ، { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } [ آل عمران : 118 ] باعتراضاتهم الفاسدة ، { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ } [ آل عمران : 118 ] قلوبهم الحاسدة من الغل والحسد والحقد ، { أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ } [ آل عمران : 118 ] ؛ أي : أظهرنا عليكم آثار ألطافنا وإمارات أحقادهم ، { إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } [ آل عمران : 118 ] تدركونها . ومن آثار ألطافنا معكم { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ } [ آل عمران : 119 ] محبة الرحمة والشفقة ، وتدعونهم إلى ما أنتم عليه من الشوق والمحبة وصدق الطلب ، والتجرد والتفرد للتوحيد ، ومن إمارات أحقادهم أنهم ينكرون عليكم { وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } [ آل عمران : 119 ] ويدعونكم إلى ما هم عليه من الحرص والحسد والغفلة ، وطلب الدنيا واستيفاء اللذات والشهوات ، { وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ } [ آل عمران : 119 ] ؛ أي : بجميع ما في القرآن من ترك الدنيا ، وجهاد النفس ونهيها عن الهوى وبذلها في إعلاء كلمة الله العليا ، والخُلق مع الخَلق والصدق في طلب الحق { وَإِذَا لَقُوكُمْ } [ آل عمران : 119 ] ، أهل التملق { قَالُوۤاْ آمَنَّا } [ آل عمران : 119 ] ؛ يعني : يظهرون معكم الإيمان بما أنتم به ، وعلمتم وهم لا يعلمون ، { وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } [ آل عمران : 119 ] الذي في قلوبهم منك حسداً عليكم ، { قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } [ آل عمران : 119 ] دعاء عليهم ، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ آل عمران : 119 ] ؛ يعني : يعلم ما في القلوب التي في الصدور إن موتها في الغيظ والحسد . فمن حسدهم عليكم { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ } [ آل عمران : 120 ] ، كرامة من الله تعالى وفضل منه ، وقبول من الحق ، وظهورات ألطاف الحق على معاملاتكم وأخلاقكم التي من نتائج كمالاتكم ، { تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ } [ آل عمران : 120 ] ، مساءة من الخلق والإنكار والرد والطعن والاعتراض ، { يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ } [ آل عمران : 120 ] على ما أصابكم من الأذى والمصائب { وَتَتَّقُواْ } [ آل عمران : 120 ] ، عنهم بالله { لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } [ آل عمران : 120 ] بل يضرهم ، { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [ آل عمران : 120 ] ؛ أي : مهلكهم بكيدهم لقوله تعالى : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] . ثم أخبر عن النصر بعد الصبر لقوله تعالى : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } [ آل عمران : 121 ] ، إشارة في الآيات : إن الله تعالى يشير إلى جواهر السالك الصادق السائر العاشق { وَإِذْ غَدَوْتَ } [ آل عمران : 121 ] في طلب الحق والرجوع إلى مقام الهرب ، { مِنْ أَهْلِكَ } [ آل عمران : 121 ] ؛ أي : من صفات نفسك الحيوانية والبهيمية ، { تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 121 ] ؛ أي : صفاتك الروحانية ، { مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } [ آل عمران : 121 ] ؛ أي : لقتال النفس والشيطان والدنيا ، { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } [ آل عمران : 121 ] لدعائكم بالإخلاص عن الرياء ، وبترك الهلاك في نية الهوى ، { عَلِيمٌ } [ آل عمران : 121 ] بصدق نياتكم في طلب الحق ، { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } [ آل عمران : 122 ] ؛ يعني : القلب وأوصافه ، والروح وأخلاقها ، { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } [ آل عمران : 122 ] أخرجهما من ظلمات البشرية والخلقية إلى أنوار الربوبية والخالقية ، { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ آل عمران : 122 ] في إخراجهم من الظلمات لا على أنفسهم . { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ } [ آل عمران : 123 ] الدنيا { وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } [ آل عمران : 123 ] من غلبات شهوات النفس ، وكثرة الوساوس ، واستعنتم بربكم فأمدكم بنصرة القربة ، { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [ آل عمران : 123 ] ؛ أي : اتقوا عما سواء ؛ لينصركم على كل شيء يحول بين الله وبينكم ، { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ آل عمران : 123 ] ؛ أي : لكي ينعم بنعمة الهداية إليه فتكونوا مشاكرين لنعمة وجود المنعم به .