Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 128-132)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن اختصاصه بالأمر في القهر والنصر بقوله تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } [ آل عمران : 128 ] ، إشارة في الآيتين : إن الله تعالى أظهر كمال رأفته ورحمته على عباده ، بحيث أن الكفار كانوا يشجون رأس نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم ، ويدممون وجهه ، ويكسرون رباعيته ، وهو أراد أن يدعوا عليهم ، خاطبه الله تعالى تعطفاً وترحماً عليهم بقوله تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } [ آل عمران : 128 ] ؛ أي : ليس لك من أمر العباد شيء لتغلبهم وتدعوا عليهم ، إنما أمرهم إلى الله نظيره قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ } [ الأنعام : 159 ] ؛ أي : بل أمرهم إلى الله ، إن يشاء يغفر ذنوبهم ويمح كفرهم بالتوبة ، بأن يتوب عليهم فإنهم عباده وإنه حكم بإسلامهم في الأزل ، وإن يشأ يعذبهم على كفرهم وظلمهم { فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } [ آل عمران : 128 ] ، وقد حكم بكفرهم من الأزل ؛ لأنه { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ آل عمران : 129 ] ، من الملك والملك ، والأمر والخلق ، والمنع والعطاء ، واللطف والقهر ، { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } [ آل عمران : 129 ] بلطفه وفضله ، { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } [ آل عمران : 129 ] ؛ أي : بقهره وعدله ، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ آل عمران : 129 ] ؛ أي : ولكن الله غفور يغفر الذنوب جميعاً ، رحيم وسعت رحمته كل شيء ؛ لأنه سبقت رحمته غضبه ، ولهذا ما وكل أمر العباد إلى أحد ولا حسابهم يوم القيامة وقال تعالى : { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } [ الغاشية : 25 - 26 ] . ثم أخبر عن طريق أهل الصلاح للفلاح بقوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً } [ آل عمران : 130 ] ، إشارة في الآيات : إن الله حرم الربا ، وقال : { لاَ تَأْكُلُواْ } [ آل عمران : 130 ] ؛ لأنه يؤدي إلى الحرص على طلب الدنيا ، { أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً } [ آل عمران : 130 ] إلى ما لا يتناهى ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً ولا يملئ جوف ابن آدم إلا التراب " والحرص درك من دركات النيران ، ولهذا قال تعالى : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 131 ] ، قدم عليها { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ آل عمران : 130 ] ، وهذا خطاب للخواص ؛ أي : اتقوا بالله عن غير الله في طلب الله ، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ آل عمران : 130 ] عن حجب ما سواه ، وتفوزوا بالوصول إلى الله تعالى . ثم خاطب العموم الذي هم أرباب الوسائط بقوله تعالى : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } [ آل عمران : 131 ] ؛ أي : نار الحرص التي يورث منها نار القطيعة وهي النار { ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 131 ] ، دون المؤمنين ؛ لأن المؤمن إن يرد نار الحرص المركوز في جبلة بداية أمره كما قال : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [ مريم : 71 ] ، ولكن ينجيه الله تعالى منه بالقناعة والتقوى لقوله تعالى : { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } [ مريم : 72 ] ، ولقوله تعالى : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ آل عمران : 132 ] من عذاب نار الحرص ، ولا تعذبون بنار القطيعة ، كما أن الكافر مخصوص بهذا العذاب المعد له ، وحاصل معناها أن الحرص على الدنيا والسعي في جمعها مذموم منهي عنه ، والبذل والإيثار وترك الدنيا والقناعة فيها محمود مأمور به ، يدل عليه قوله تعالى : { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ } [ البقرة : 276 ] .