Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 133-136)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن المسارعة إلى الجنان بقوله تعالى : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ آل عمران : 133 ] ، إشارة أن الله تعالى خلق الإنسان لدخول الجنة ودرجاتها ، والنار ودركاتها ، والوصول على حظائر القدس والقربة ومقاماتها ، ثم أرسل المرسلين مبشرين بالجنة ومنذرين عن النار ، وخص من بينهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إليه فقال تعالى : { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ } [ الأحزاب : 46 ] ، فحثهم بالاتقاء والحذر من النار كما قال تعالى : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 131 ] ؛ يعني : هم مخصوصون بها ؛ لأنهم ما اتقوا عن الشرك ومتابعة الهوى ، فإن ترك الهوى ينجي به من النار وهو التوحيد والائتمار بأوامر الله تعالى ، والانتهاء عن نواهيه . وحرضهم عن المسارعة إلى الجنة بقوله تعالى : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ آل عمران : 133 ] ؛ أي : سارعوا بقدم التقوى إلى مقام من المقامات قرب ربكم ، { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } [ آل عمران : 133 ] ، والإشارة فيها : إن الوصول إليها بعد العبور عن ملك السماوات والأرض وهي المحسوسات التي تدركها الحواس الخمس ، والعبور عنها إنما يكون بقدم التقوى الذي هو تزكية النفس عن الأخلاق الذميمة الحيوانية والسبعية والشيطانية ، كما قال تعالى : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] ، فإن التقوى التي تولج به في عالم الملكوت هي التزكية لقوله تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } [ طه : 76 ] ، وذلك جزاء من تزكى ، ويدل عليه ما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عيسى عليه السلام : " لن يلج ملكوت السماوات والأرض من لم يولد مرتين " ، فالولادة الثانية هي الخروج عن الصفات الحيوانية بتزكية النفس عنها ، وولوج الملكوت هو التحلية بالصفات الروحانية ، فافهم جيداً . وقوله تعالى : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] ؛ أي : هم مخصوصون ومراتبهم في الدرجات العلا بقدر تقوى النفوس وتزكيتها . ثم شرح أقسام التقوى والتزكية بقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } [ آل عمران : 134 ] ؛ أي : ينفقون أموالهم وأرواحهم في الضراء ، بل ينفقون المكونات في طلب المكون ، { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } [ آل عمران : 134 ] ؛ أي : عند القدرة على إنقاذه لطلب رضاء الله تعالى ، { وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } [ آل عمران : 134 ] ؛ يعني : يصدر منهم برؤية مصدر الأفعال إنه هو الله تعالى ، { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ آل عمران : 134 ] ؛ يعني : الذين لهم هذه الأخلاق ، { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } [ آل عمران : 135 ] ، وهي رؤية غير الله ، { أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } [ آل عمران : 135 ] ، وذلك تعلقاتها بما سوى الله ، { ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } [ آل عمران : 135 ] ، بالنظر إليه ورؤيته ، { فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } [ آل عمران : 135 ] ، التجئوا إليه في قطع التعلقات عما سواه ، { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 135 ] ؛ أي : ومن يستر بكنف عواطفه ذنوب وجود الأغيار إلا الله ، { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } [ آل عمران : 135 ] ، ولم يثبتوا على رؤية الوسائط والتعلق بتا ، { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آل عمران : 135 ] ، " ألا إن كل شيء ما خلا الله باطل " . { أُوْلَـٰئِكَ } [ آل عمران : 136 ] ؛ يعني : الذي فيهم هذه الأقسام ، { جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } [ آل عمران : 136 ] ؛ أي : هم مستحقون لمقامات القربة ، { وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ آل عمران : 136 ] ؛ يعني : من مياه العناية خالدين فيها مشفعين إلى الأبد فيما يسارعون إليه ، { وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } [ آل عمران : 136 ] ، الذي سارعوا مما نالوا من الدرجات العلا وقربات المولى ، والإشارة فيه : إن نيل المقصود في بذل المجهود ، كما قال تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] .