Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 18-22)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن حقيقة الشهادة أنها له ، ولنا العبادة بقوله تعالى : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [ آل عمران : 18 ] ، إشارة في الآية : إن الشهادة الحقيقية ؛ هي شهادة الله بكلامه الأزلي ، إنه الحق عن علمه [ الأزلي ] على ذاته الأحدي وكونه الصمدي ، { أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 18 ] ، وهي شهادة الحق وبالحق أنه الحق ، وهو منفرد بهذه الشهادة الأزلية لا يشاركه فيها أحد ، وكما أن ذاته لا تشبه الذوات وصفاته لا تشبه الصفات ؛ فشهادته لا تشابه الشهادات ، إنه سبحانه شهد بجلال قدره على كمال عزه ، حين لا حين ، ولا عقل ولا جهل ، ولا كفر ولا شرك ، ولا عرش ولا فرش ، ولا جنة ولا نار ، ولا الإنس ولا الملائكة ، ولا أولوا العلم ولا الإنكار ولا الإقرار ، فأول من شهد على أنه الله ؛ هو الله حين لم يكن إلا الله ، فأخبر بالذي كان كما كان ؛ وهو { أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 18 ] ، ثم أبدع الموجودات واخترع المخترعات كما شاء لما شاء ، ففطر العقول مجرة على أنه واحد عزيز ، ما جد بإخباره إياها ، وخلق الذوات شاهدات على ربوبيته بإشهاده إياها ، وكل جزء من جميع ما فطر وخلق على ما شاء من الأعيان والأعراض [ أظهر ] وأنطق فهو بوجوده مفصح ، ولربوبيته موضح ، وعلى قدرته شاهد ، ولكن منبع ماء التوحيد ؛ هو القدم ، فجرى في ينبوع العدم في مجاري أنها المحدثات إلى ظهر من عيون والملائكة وأولوا العلم ، فإن الملائكة وإن كانوا مظهر ماء التوحيد ، كما أن أولوا العلم ولكن اختص أولوا العلم منهم بمشربه ، { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } [ الفتح : 26 ] . @ شيء خصصت به من دونهم وحدي لي سكرتان وللندمان واحدة @@ فحقيقة معنى الآية { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [ آل عمران : 18 ] ، على أمور عباده حتى شهد على شهادة الملائكة وأولوا العلم ، ثم فائدة التكرار بقوله تعالى : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ آل عمران : 18 ] ، { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [ آل عمران : 19 ] ، عائدة إلى أولوا العلم ، الذين لهم شركة مع الملائكة في مظهر ماء التوحيد بالشهادة ، ولهم اختصاص بالمشربية لماء التوحيد فشاهدوا حقيقة { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ } [ آل عمران : 18 ] ، الذي لا يشاهد عزته إلا عزته ، الذي أغرهم بهذه العزة من بين البرية ، { ٱلْحَكِيمُ } [ آل عمران : 18 ] ، الذي بحكمته اختارهم لهذه العزة من بين الخليقة . ثم أخبر عن عزة اختلاف أهل العلم بحكمته بقوله تعالى : { وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } [ آل عمران : 19 ] ، إشارة في تحقيق الآية : إن اختلاف عالم الصورة من النتائج التناكر في عالم الأرواح ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف " ، فالأرواح تلاقي بعضها بعضاً عند تشاهد الأشخاص ، فما تعارف منها في الميثاق لتقاربهم في الصف أو لتقابلهم في المنزل ائتلف ، وما تناكر منها لتباعدهم في الصف أو لتدبرهم في المنزل اختلف ، فإذا كان الاختلاف من ذلك التناكر { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } [ الأنفال : 63 ] ، وإن كان اختلاف بأسباب حادثة في الظاهر ، وذلك التعارف الأصلي ثابت في الباطن ، فإذا التقى الشخصان نظر كل واحد منهما إلى سيما الآخر ، فتعرف روحه روح الآخر ، والقلوب تشاهد فتأتلف ، كما كان حال أويس القرني - رضي الله عنه - لما رأى هرم بن حيان فقال : السلام عليك يا هرم ، فقال : كيف عرفتني ؟ فقال : عرفت روحي روحك ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } [ البقرة : 273 ] ، فظهر أن الاختلاف من تناكر الأرواح ، فلما كان بين الأرواح المؤمنين تعارف روحاني ، ناصرهم العداوة الجسمانية الحادثة ؛ كقوله تعالى : { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } [ آل عمران : 19 ] ، إشارة إلى : إن العلم مظنة الحسد . واعلم أن حسد أهل العلم قسمان : مذموم ومحمود ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا حسد إلا في اثنين رجل أتاه مالاً فسلطه على هلكته في حق ، ورجل أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها " ، متفق على صحته ، رواه ابن مسعود رضي الله عنه ، فالمراد من الحسد هاهنا : الغبطة أن يتمنى الرجل أن يكون له مثل ما لأخيه فيعمل به مثل ما يعمل أخوه ، فهذا النوع من الحسد محمود ، والمذموم : أن يتمنى الرجل ما لأخيه وعلمه لنفسه وزوالها لأخيه ، { وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 19 ] ، بكتاب الله تعالى ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم ، والبراهين الواضحة والدلائل اللائحة بالحد ، وطلب الجاه والرفعة في الدنيا وعلو المرتبة على الإخوان ، { فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ آل عمران : 19 ] ؛ أي : يحاسبه بالعقاب سريعاً في الدنيا عاجلاً بأن يعاقبه بقسوة القلب وسواده ، والبعد عن الحق ونسيانه واستيلاء الشيطان وسلطانه ، واستيلاء الدنيا والحرص عليها ، ومتابعة النفس وهواها ، وآجلاً : بأن يعذبه بعذاب الحجاب وشدة العقاب . ثم أخبر عن شرط الإسلام إنه التسليم ، وليس على النبي صلى الله عليه وسلم إلا التبليغ والتعليم بقوله تعالى : { فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ } [ آل عمران : 20 ] ، إشارة في الآية : إن حقيقة الإسلام والدين هو الاستسلام بكلية الوجود إلى الله تعالى ، راضياً بقضائه صابراً على بلائه ، شاكراً للنعماء به ، منقاداً لأوامره ، منزجراً لنواهيه ، محكوماً لأحكامه الأزلية ، مريداً لإرادته القديمة ، مفوضاً إليه أمر الدنيوية والأخروية ، وبهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولمن اتبعه ، { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } [ آل عمران : 20 ] ، ولا يصلح الاستسلام والمتابعة للعبد إلا بهذا الشرط ، بهذا يصح الإقتداء وعلى هذا يكون الاهتداء ، كما قال تعالى : { وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ } [ آل عمران : 20 ] ، بهذا الشرائط { فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ } [ آل عمران : 20 ] ، عن هذه الشرائط { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ } [ آل عمران : 20 ] ؛ أي : عليك التبليغ بهذه المعاني والشرائط إلى قلوبهم { بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } [ النحل : 125 ] ، وتصرفات النبوة ظاهراً وباطناً { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } [ آل عمران : 20 ] ، من يستحق الهداية فيهديه ، ومن يستحق الضلالة فيجد له في الضلالة . ثم أخبر عن غاية جهالة أهل الضلالة بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] ، الإِشارة في الآيتين : إن لقلب الإنسان في إبطال استعداد قبول فيض الحق مراتب منها : بالحجبة من الفيض ، فإذا زال الحجاب رجع إلى صفاته ؛ وهو المعاصي يحجب القلب عن الفيض : كالسحاب تحجب الأرض عن فيض الشمس ، فإذا أزال السحاب رجع الفيض ، كذلك إذا زال الحجاب المعاصي عن القلب بالتوبة ، رجع إليه فيض الحق ، كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ، ومنها : ما يزيل صفاء القلب فيخرجه عن قبول الفيض : كالصداء مع المراتب ؛ وهو : الكفر والشرك ، فيحتاج في إزالة صداع الكفر إلى مصقل كلمة التوحيد ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن لكل شيء صقالة ، وصقالة القلوب ذكر الله " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الإسلام يمحو ما قبله " ، ومنها : ما يحتل بالاستعداد الأصلي في قبول الفيض ويوجب الحرمان : كالمرآت المنقطعة بطل استعدادها في قبول العكس ، إلا أن يطيع مرة أخرى ويضع كما كانا ، فكذلك القلب إذا أبطل استعداده لا يقبل الفيض إلا أن تداركه العناية الأزلية سابق المشيئة ؛ وهو { ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ } [ الإسراء : 33 ] ، كما قال تعالى : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا } [ النساء : 93 ] ، فقتل النفس بغير الحق وإن كان عظيماً عند الله ، والقاتل كما أبطل بنيان شخص المقتول وهدمه فقد أبطل استعداد الكمالية عن نفسه ، ولكنه قابل ليتدارك بمشيئة الله تعالى ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ { فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا } [ النساء : 93 ] ، قال : " إن جازاه " ؛ يعني : جزاؤه الخلود إن شاء أن يجازيه فيخرجه ، ومنها : ما يبطل الاستعداد الأصلي بالكلية فلا يقبل التدارك بمشيئته كما حكم في الأزل ، { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [ الفتح : 23 ] ، وهو قتل الأنبياء - عليهم السلام - كما قال تعالى : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [ آل عمران : 22 ] ؛ أي : كل عمل روحاني حصل منهم في الباطل على وجه الاستكمال ، { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ آل عمران : 22 ] ؛ يعني : ليس من سنة الله أن ينصر من أبطل استعداده بالكلية بمثل هذا المعاملات في الدنيا والآخرة ، في أصل الأمر إذ الإنسان خلق مستعداً ؛ لقبول فيض أحدى الصفتين ، إنما يكون بمعاملات الظاهر والباطن على وفق متابعة الأنبياء في قبول فيض اللطف بأن يغذي نفسه في متابعة الأنبياء ؛ ليكون من خير البرية ، ونقصان الإنسان في قبول فيض القهر بأن يقتل الأنبياء ؛ ليكون شر البرية ، ولهذا الاختصاص في قبول كمال القهر ، أن لا يقبل توبة في الدنيا والآخرة ، ويحتمل أن يرجى لإبليس النجاة ولا يرجى له أبد الآبدين .