Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 141-144)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن فوائد الابتلاء والأعداء بقوله تعالى : { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 141 ] ، { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } [ آل عمران : 142 ] ، إشارة في الآيات : إن قوله تعالى : { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 141 ] دال على أن كل هم وغم وبلاء وعناء ومحنة ومصيبة تصيب المؤمنين في الله يكون تكفيراً لذنوبهم ، وتطهير لقلوبهم ، وتخليصاً لأرواحهم ، وتمحيصاً لأسرارهم ، وما يصيب الكافرين من نعمة ودولة وحبور وسرور وغنى ومنى في الدنيا يكون سبباً لكفرانهم ، ومزيداً لطغيانهم ، وغروراً لخذلانهم ، وعمى لقلوبهم ، وتمرداً لنفوسهم ، ومحقاً لأرواحهم ولقلوبهم ، وسحقاً لأسرارهم ، وفيه إشارة أخرى { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ آل عمران : 141 ] ؛ يعني : البلاء لأهل الولاء بتمحيص القلوب عن ظلمات العيوب ، وتنويرها بأنوار الغيوب ، { وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 141 ] بالبلاء ؛ يعني : يمحق صفات نفوسهم الكافرة ، ويمحو سمات أخلاقهم الفاجرة ؛ ليتخلصوا عن تدنس حبس قفص الأشباح ، ويفوزوا بتقديس رياض حظائر الأرواح كما قال تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } [ آل عمران : 142 ] ، إن تلجوا عالم الملكوت ورياح الأرواح ، { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } [ آل عمران : 142 ] ، ولم ير الله منكم مجاهدات تورث المشاهدات ، ولم ير الصبر منك عن تزكية النفوس على وفق الشريعة ، وتصفية القلوب على قانون الطريقة ، وتحلية الأرواح بأنوار الحقيقة . { وَلَقَدْ كُنْتُمْ } [ آل عمران : 143 ] يا أرباب الصدق وأصحاب الطلب { تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } [ آل عمران : 143 ] ؛ يعني : موت النفوس عن صفاتها تزكية لها ، { مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ } [ آل عمران : 143 ] ؛ يعني : قبل أن تلقوا مجاهدات ورياضات في خلاف النفس وقهرها عند لقاء العدو في الجهاد الأصغر ظاهراً ، وفي الجهاد الأكبر باطناً ، { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } [ آل عمران : 143 ] ؛ يعني : إذا رأيتم هذه الأسباب التي كنتم تمنون عياناً { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } [ آل عمران : 143 ] ولا تغذون أرواحكم ، ولا تجاهدون في الله بأموالكم وأشباحكم في قوله تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } [ آل عمران : 144 ] ، إشارة إلى : إن الإيمان التقليدي لا اعتبار له فيبطل المقلد عن إيمانه عن انعدام المقلد به ، فمن كان إيمانه بتقليد الوالدين والأستاذ وأهل البلد { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ } [ الحجرات : 14 ] في قلبه ولم تشرح صدره بنور الإسلام ، فعند انقطاعه بالموت عن هذه الأسباب المقلد بها يعجز عن جواب سؤال الملكين في قولهما : " من ربك فيقول : هاه لا أدري ، وإذ يقولان : ما تقول في هذا الرجل ؛ فيقول : هاه لا أدري كنت أقول ما يقول الناس ، فيقولان له : لا دريت ولا تليت " ، كما ورد في الحديث ، { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } [ آل عمران : 144 ] ؛ أي : ومن يرتد عن إيمانه التقليدي { فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً } [ آل عمران : 144 ] ؛ يعني : لا يضر الله ارتداده ، ولكن يضر المرتد المقلد ، { وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } [ آل عمران : 144 ] ؛ يعني : الذين شكروا نعمة الإيمان التقليدي بأداء حقوق الائتمار بأوامر الشرع ، والانتهاء عن نواهيه ، سيجزيهم الله بالإيمان مزيداً ، كما قال تعالى : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ إبراهيم : 7 ] .