Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 160-163)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن النصرة والخذلان أنهما إليه لا إلى الأعوان ، بقوله تعالى : { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 160 ] ، إشارة في الآية : إن الله تعالى إن ينصركم بجذبات العناية ويخرجكم من حجب الوجود ، { فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [ آل عمران : 160 ] ، من أوصافكم وأحوالكم وأقوالكم ، ومن نعمة الدنيوية والأخروية التي هي منشأ الوجود ، { وَإِن يَخْذُلْكُمْ } [ آل عمران : 160 ] بترك الجذبات لإخراجكم { فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم } [ آل عمران : 160 ] يخرجكم من جمع الأنبياء والمشايخ ، { مِّنْ بَعْدِهِ } [ آل عمران : 160 ] من بعد فضل الله وكرمه ، { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ آل عمران : 160 ] ؛ أي : فليفوض إلى الله تعالى أمر الإخراج من الوجود ، المؤمنون الذين يعتقدون أن الله هو القادر على الإخراج عن الوجود ، كما أنه القادر على الإدخال في الوجود ، ويوقنون إن الخلائق عاجزون عن هذا الإدخال والإخراج إلا بإذنه ، ولا يصح التوكل على الله إلا لمؤمن موقن بأنه { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } [ الشورى : 53 ] كلها في معنى الخلق والرزق والأجل وغير ذلك ، كقوله تعالى : { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [ النساء : 78 ] . ثم أخبر عن نفي غلول الأنبياء في شيء من الأشياء بقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } [ آل عمران : 161 ] ، إشارة في الآيات : إن الله تعالى ينفي الغلول عن الأنبياء في قوله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } [ آل عمران : 161 ] من ثلاثة أوجه : إحداها : ينفي الغلول من أفعالهم وأقوالهم ؛ لأن فاعل الغلول أمر به وأمر به وهو منكر ، والأنبياء أمروا بالمعروف ، فالآمر بالمنكر لا يصلح أن يكون نبياً . وثانيها : ينفي الغلول من خصالهم ؛ لأن الغال خائن ، والأنبياء أمناء الله على وحيه ، والخائن لا يصلح أن يكون نبياً . والثالث : ينفي الغلول من أحوالهم ؛ لأن حال الغال أن يكون الغالب على أمره النفس وهواها ، ومن حال النبي أن يكون غالباً على أمره . كما أخبر عن حال يوسف عليه السلام بقوله : { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } [ يوسف : 21 ] ، فمغلوب النفس والهوى لا يصلح للنبوة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم من يكون شفيعاً لأمته يوم القيامة ، والشفيع هو الذي ينجوا بنفسه ثم ينجي غيره ، ومن حال الغال ما قال الله تعالى : { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 161 ] ؛ أي : يأتي به حاملاً على ظهره { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ } [ آل عمران : 161 ] ؛ أي : يجازي كل غالبة { مَّا كَسَبَتْ } [ آل عمران : 161 ] ، من الغلول ، { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ آل عمران : 161 ] في مجازاة عقوبة الغلول ، دليله قوله تعالى : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ النحل : 118 ] ، فالمعاقب بمجازاة الغلول كيف ينجي غيره من العقوبة ؟ ومما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى : { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ } [ آل عمران : 162 ] ؛ أي : وحي { ٱللَّهِ } [ آل عمران : 162 ] ، دليله من { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [ الأنعام : 106 ] ، { كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 162 ] ؛ أي : الغلول ، معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم من اتبع ما أوحي إليه طلب رضوان الله ، لا الغال الذي يتبع بغلوله سخط الله ، { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ آل عمران : 162 ] ، من هذا حاله فلا يساوي حال الغال أحوال الأنبياء ، { هُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 163 ] ؛ يعني : هم الدرجات في مقام عندية الحق وهو مقعد الصدق ، كقوله تعالى { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 55 ] ، { وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } [ آل عمران : 163 ] ، أهل الدرجات من الأنبياء وأتباعهم ، وأهل الدركات من المنافقين القالين ، فيجازيهم على قدر أعمالهم ونياتهم ، " فإنما الأعمال بالنيات " .