Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 164-168)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن خاصية النبوة والمنِّ بها على الأمة بقوله تعالى : { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ } [ آل عمران : 164 ] ، إشارة في الآية : إن الله تعالى مَنَّ على المؤمنين { إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } [ آل عمران : 164 ] ؛ أي : من جنسهم من بني آدم ولا ملكاً من الملائكة ، فإنهم لا يدركونه بالحواس الخمس ولا ينفعهم به ؛ لأنه من غير جنسهم ، ويكن الانتفاع إلا من الجنس ، كما قال تعالى : { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [ الأنعام : 9 ] ؛ يعني : من الكسوة البشرية ؛ لكي ينتفعوا به حين { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } [ آل عمران : 164 ] ؛ لأن جبريل عليه السلام كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويتلوا عليه آيات الله وبعض الصحابة كانوا حاضرين ، ولكن لا يسمعون تلاوته ولا ينتفعون بها ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتلوا عليهم بلسان الظاهر فيسمعونها وينتفعون بها ، فلما أراد الله تعالى أن يعلمهم معالم دينهم بواسطة جبريل عليه السلام ، ألبسه لباس الصورة حتى جاء على صورة إعرابي قد أسند ركبته إلى ركبة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما الإيمان ؟ ما الإحسان ؟ ولم يعرفه أحد من الصحابة ، فلما خرج من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا أتاكم بعلم معالم الدين " ؛ فلهذا مَنَّ الله تعالى عليهم ببعث النبي صلى الله عليه وسلم من جنسهم يتلوا عليهم كل يوم وليلة آياته { وَيُزَكِّيهِمْ } [ آل عمران : 164 ] عن أخلاقهم الذميمة النفسانية ، { وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ } [ آل عمران : 164 ] ؛ أي : القرآن ، ويبين لهم معانيه وأسراره ، كما قال تعالى { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [ النحل : 44 ] ، { وَٱلْحِكْمَةَ } [ آل عمران : 164 ] ؛ يعني : الشرائع والسنن كما ذكره في سورة البقرة ، { وَإِن كَانُواْ } [ آل عمران : 164 ] في الجاهلية ، { مِن قَبْلُ } [ آل عمران : 164 ] بعثه ، { لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } [ آل عمران : 164 ] ، { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم } [ الزخرف : 22 ] . ثم أخبر عن إصابة المصيبة أنها من شؤم النفس الخبيثة بقوله تعالى : { أَوَ لَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا } [ آل عمران : 165 ] ، إشارة في الآية : إن المؤمن إذا أصابته مصيبة يصيب مثلها من كفارة الذنوب ورفعة الدرجات ، وإن أصابته تلك المصيبة من شؤم ما اكتسبت أيديكم ، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران : 165 ] أن يجعل المصيبة كفارة للذنوب ورفعة للدرجات ، وأن يغفر الذنوب ويرفع الدرجات من غير مصيبة ، كقوله تعالى : { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [ المائدة : 15 ] ، وقال تعالى : { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ غافر : 15 ] ، { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 166 ] ؛ أي : ببلائه وابتلائه لكم ، { وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 166 ] ، { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } [ آل عمران : 167 ] ؛ أي : ليبتلي المؤمنين منه ببلاء حسن في بذل الروح والصبر والثبات على قدم الجهاد في سبيل الله ، ويميزهم عن المنافقين ، وليظهر نفاق الذين نافقوا بقعودهم عن القتال وحب الحياة واختيار الدنيا على الآخرة ، وإظهار نفاقهم وكذبهم عند قولهم : { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 167 ] ؛ يدعون بألسنتهم أتباع المجاهدين في سبيل الله ، وليس في قلوبهم شوق إلى الله ومحبته ، ولا يتعرضون لتذر الروح شوقاً إلى لقائه وطلباً لرضائه ولأنوار الإيمان ، { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } [ آل عمران : 167 ] ؛ أي : أعلم منهم بما يكتمون في أنفسهم من صفات الكفر والنفاق ، وبما جبلت عليه أنفسهم في أصل الخلقة وتخمير طينتهم التي من نتائج صفاتهم الذميمة وفساد اعتقادهم ، { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } [ آل عمران : 168 ] وافقونا بالنفاق وسوء الاعتقاد والقعود عن طريقة الحق ، { مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ } [ آل عمران : 168 ] موت القلوب الذين من خصائصه : النفاق ، وسوء الأخلاق ، وفساد الاعتقاد ، { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ آل عمران : 168 ] في دعواكم أنكم مصيبون في نفاقكم ، وإخوانكم مخطئون على بذل الروح في سبيل الله .