Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 23-27)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن غرور أهل الغفلة والفتور بقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } [ آل عمران : 23 ] ، { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [ آل عمران : 24 ] ، إشارة في الآيات : إن من أوتي نصيباً إذا ادعي إلى حكم من أحكام الله ، أو يدعي إلى ترك الدنيا ومخالفة الهوى ، وشيء من الورع والتقوى والقربة إلى المولى ، كما أنزل في كتاب الله أخذته الأنفة ، ودعته العزة أن يقبل الحق وينقاد له ، ويثقل عليه الأسماع ويعرض في الاتباع ، فهو مغرور في الدنيا بما يفتري الشيطان ويغويه ، وتمنيه الأنفس وتستهويه . { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ } [ آل عمران : 25 ] ، حال المغرور إذا جمعهم الله { لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } [ آل عمران : 25 ] ، في مزرعة الدنيا من الدرجات العلا والدركات السفلي ، { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ آل عمران : 25 ] ، بأن ينزل أهل الدرجات في الدركات ، وأهل الدركات في الدرجات ؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، وإنما خص { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } [ آل عمران : 23 ] هذا الاختصاص ؛ لأن أكثر ما أدنى نصيباً من العلم الظاهر ولم يؤت نصيباً من العلم الباطن ؛ فإنهم أهل العزة بالله بالظاهر ، ويغفلون عن الأحوال الباطنة ، فيستولي الشيطان على بواطنهم ، ويزين لهم الدنيا وشهواتها وشكرهم بلذاتها ورفعة الدرجات ، فتهلكهم في واد من أوديتها . ثم أخبر عن كمال عنايته مع أهل ولايته بقوله تعالى : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] ، إشارة في الآيتين : إن الله تعالى هو الملك في الحقيقة ، ولا ملك ولا ملك إلا له ؛ لأنه ملك له ملك العدم والوجود بالمالكية فإنه كان مالكاً ، ولم يكن معه وجود ولا عدم فأبدع بالملكية ، فإنه ملك الوجود في مراتب شتى : فمنها : وجود قابل الفناء والعدم ؛ وهو عالم الكون والفساد ، ومنها : وجود قابل البقاء غير فانٍ ولا عادم ؛ وهو عالم يقبل الكون ولا يقبل الفساد ، فكان مالك ملك الوجود والعدم بالمالكية ؛ لإبداعه ، فقوله : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] ؛ يعني : تؤتي ملك الوجود الباقي الذي لا يقبل الفناء { مَن تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] ؛ يعني : الملكية والإنسان ، فإن شخص الإنسان قابل للفناء ، ولكن روحه لا تقبل الفناء : كالملائكة وعالم الأرواح والملكوت ؛ وهو عالم الآخرة ، { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] ؛ يعني : تنزع ملك الوجود الباقي ممن تشاء من الحيوانات وعالم الكون والفساد . { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] ؛ يعني : تعز بعزة الوجود الحقيقي ، الذي لا يقبل الكون والفساد من تشاء من الأنبياء والأولياء ، دليله قوله تعالى : { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنافقون : 8 ] ، فافهم جيداً . { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] ؛ يعني : تذل بذل الغضب والسحت من تشاء من الكافرين والمنافقين ، بأن تبطل استعدادهم عن قبول فيض الوجود الحقيقي ، دليله قوله تعالى : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ … } [ البقرة : 61 ] ، وفي قوله تعالى : { بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران : 26 ] ، تضمير الدعاء ؛ يعني : اللهم مالك الملك تؤتي من تشاء أنت الذي بيدك الخير كله ، فآتني الملك فيمن تشاء أن تؤتيه ، وأعزني فيمن تشاء أن تعزه ، إنك على شيء من الإيتاء والمنع والإعزاز والإذلال قدير . وقوله : { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ } [ آل عمران : 27 ] ؛ أي : تولج ظلمانية البشرية النفسانية في نهار أنوار الصفات الروحانية ، { وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } [ آل عمران : 27 ] ، أنوار الروحانية في ظلمات الصفات النفسانية ، { وَتُخْرِجُ } [ آل عمران : 27 ] القلب { ٱلْحَيَّ } [ آل عمران : 27 ] ، بالحياة الحقيقية { مِنَ } [ آل عمران : 27 ] ، النفس { ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ } [ آل عمران : 27 ] ، القلب { ٱلَمَيِّتَ } [ آل عمران : 27 ] ، عن الحياة الحقيقية { مِنَ } [ آل عمران : 27 ] ، النفس { ٱلْحَيِّ } [ آل عمران : 27 ] ، بالحياة المجازية الحيوانية { وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ آل عمران : 27 ] ؛ أي : ترزقه من عالم الجود الحقيقي من النفس الميت ، وتخرج الذي هو غير متناهٍ ، ولا يدخل تحت العدد والحساب .