Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 60-66)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبقوله : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [ يس : 60 - 61 ] ، يشير إلى كمال رأفته وغاية مكرمته في حق بني آدم ؛ إذ يعاتبهم معاتبة الحبيب للحبيب ، ومناصحة الصديق للصديق ، وأنه تعالى يكرمهم ويبجلهم من أن يعبدوا الشيطان ؛ لكمال رتبتهم واختصاص قربتهم للحضرة ، وغاية ذلة الشيطان وطرده ولعنه عن الحضرة وسماه عدواً لهم وله سمي بني آدم أولياء والأحباب ، وخاطب المجرمين منهم كالمقتدي الناصح لهم : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ } [ يس : 60 ] ؟ ألم أنصحكم ؟ ألم أخبركم عن خيانة الشيطان وعداوته لكم ؟ وإنكم أعز من أن تعبدوا مثله ملعوناً مهيناً { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي } إذ إن مثلكم يستحق لعبادة مثلي فإني أنا العزيز الغفور ، وإني خلقتكم لنفسي وخلقت المخلوقات لأجلكم وعززتكم ، وكم وصلت إليكم القول وذكرتكم فلم تقبلوا نصحي ، ولم تتعظوا بوعظي ، ولم تعملوا بأمري وعملتم بأمر الشيطان وقبلتم إغواءه إياكم . { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } [ يس : 62 ] ، عن صراط مستقيم عبوديتي ، وأبعدكم عن جواري وقربتي ، { أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } [ يس : 62 ] ؛ لتعلموا أن الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل ، فلا تظلموا على أنفسكم وارجعوا إلى ربكم قبل أن يقول لكم خزنة جهنم : { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } [ يس : 63 - 64 ] ؛ أي : استعدوا لجهنم الفراق إن كفرتم بنعمة الوصال ، وذوقوا عذاب شديد الكفران إذ رضيتم عن الوصلة بالهجران . ثم أخبر عن اعتراف الأركان وختم اللسان بقوله تعالى : { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ يس : 65 ] ، فيشير إلى أن الغالب على الأفواه الكذب ، كما قال تعالى : { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 167 ] ، والغالب على الأعضاء الصدق ، ويوم القيامة يسأل الصادقون عن صدقهم ، فلا يسأل الأفواه فإنها كثيرة الكذب ، ويسأل الأعضاء فإنها كثيرة الصدق ، تشهد بالحق ، أما الكفار فشهادة أعضائهم عليهم مبيدة لهم ، وأما العصاة من المؤمنين الموحدين فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان ، ولكن تشهد لهم بعض أعضائهم أيضاً لهم بالإحسان ، فكما قيل : بيني وبينك يا ظلوم الموقف والحاكم العدل الجواد المثقف ، وفي بعض الأخبار المروية المسندة : أن عبداً يشهد عليه أعضاؤه بالزلة فتتطاير شعرة جفن عين عبدي واحتجي عن عبدي ، فتشهد له بالبكاء من خوفه فيغفر له ، وينادي منادٍ هذا عتيق الله بشعرة . وبقوله : { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } [ يس : 66 ] ، فيشير إلى طمس عين الظاهر بحيث لا يكون لها سبق ، فكيف تبكي حتى تشهد بالبكاء على صاحبها ؟ ! ويشير أيضاً إلى طمس عين الباطن ، فإذا كانت مطموسة كيف يبصر بها الحق والباطل ليرجع من الباطل إلى الحق ؟ ! وإذا لم يبصر بها الحق كيف يخاف من الباطل ليحرق قلبه بنار الخوف ؟ ! فيسيل منه الدمع ليشهد له بالبكاء من الخوف .