Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 67-72)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ } [ يس : 67 ] ؛ أي : نحول صفاتهم الإنسانية بصفات السبعية والشيطانية ، { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ } [ يس : 67 ] ، لا يقدرون على إزالة هذه الصفات ، ولا يقدرون على رجوعهم إلى صفاتهم الإنسانية ، فمن مَسَخه الله في الدنيا بالصفات حشره الله تعالى في صورة صفته الممسوخة بها ، كم جاء في الحديث الصحيح : " إن آذر يحشر على صورة ضبع " . وقوله : { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } [ يس : 68 ] ، يشير إلى أن الإنسان كما لو عَمَّر يرده الله إذا استوى شبابه وقوته إلى العكس ، حتى يأخذ في النقصان من الزيادة كما كان يزداد في القوة إلى أن يبلغ أرذل العمر في السن ، فيصير إلى حال مثل حال الطفولة في الضعف ، ثم لا يبقى على النقصان شيء ، فكذلك لو عَمَّر السالك لطريق الحق تعالى إلى ألاَّ يبقى منه ما يسند الفعل في السير عن وجوده بعد السير في وجوده إلى أقصى مراتب الروحانية ، ثم تفنى روحانيته في ربوبية الحق تعالى إلى ألاَّ يبقى منه ما يسند الفعل إليه ، كما قال تعالى : " فبي يسمع وبي ينطق وبي يبطش وبي يمشي " . وبقوله : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } [ يس : 69 ] ، يشير إلى أن كل أقوال وأعمال وأحوال تجري على العباد في الظاهر والباطن كلها تجري بتعليم الحق تعالى الحرف والصنائع ، وذلك سر قوله تعالى : { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [ البقرة : 31 ] ، وتعليمه الصنائع لعباده على ضربين بواسطة وبغير واسطة ، أما بالواسطة فتعليم بعضهم بعضاً ، وأما بغير الواسطة فكما علم داود عليه السلام صنعة لبوس ، وكل حرفة وصنعة يعمل الإنسان من قريحته بغير تعليم أحد ، فهو من هذا القبيل وقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } [ يس : 69 ] ، إشارة إلى أنه تعالى ما علمه الشعر ولكن علمه الذكر والقرآن ، كما قال : { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [ الرحمن : 1 - 2 ] ، وقوله : { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ يس : 70 ] ، يشير إلى أن كل قلب يكون جوفه بنور الله وبروح منه بقيده الأقدار ويتأثر بها ، وأمارة تأثيره : الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة والمولى ، ووجب القول الأزلي على الكافرين بموت قلوبهم وقساوتها فلا يتأثر بالإنذار . ثم أخبر عن قدرته ومنَّ علينا بنعمته وبقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً } [ يس : 71 ] ، يشير إلى أنه تعالى خلق للإنسان جميع ما خلق بالوسائط وغير الوسائط ، ومما خلق بغير الوسائط خلق لهم أنعاماً ، ذَكَر عظيم منته عليهم وجميل نعمته لديهم بما خلق لهم المخلوقات ، وبما سخر لهم من الأنعام التي ينتفعون بها بوجوه من الانتفاع فهم لها مالكون ؛ لينتفعوا بركوبها وأكل لحومها وشحومها وبشرب ألبانها ، وما يحمل عليها بالتقرب بها في قطع المسافة البعيدة إلى الزيارات والمواضع الشريفة والمزارات المتبركة ، ثم بأصوافها وأدبارها وشعورها .