Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 41-44)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن رعاية العبودية وعناية الربوبية بقوله تعالى : { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ ص : 41 ] ، يشير إلى معانٍ مختلفة : منها : إن من شرط عبودية خواص عبادنا من الأنبياء والأولياء الصبر عند نزول البلاء ، والرضاء بجريان أحكام القضاء . ومنها : ليعلم أن الله تعالى لو سلط الشيطان على بعض أنبيائه أو أوليائه لا يكون لإهانتهم ؛ بل يكون لعزتهم وإعانتهم على البلوغ إلى رتبة نعم العبدية ، ودرجة الصابرين المحبوبين . ومنها : إن العبادات من الأنبياء والأولياء لو لم يكونوا من كنز عصمة الله وحفظه لمستهم الشياطين بنصب وعذاب . ومنها : إن من آداب العبودية إجلال الربوبية وإعظامها عن إحالة الضرر والبلاء والمحن عليها إلا على الشيطان ، كما قال يوسف : { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ } [ يوسف : 100 ] ، وقال يوشع عليه السلام : { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ } [ الكهف : 63 ] ، وقال موسى عليه السلام : { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [ القصص : 15 ] . ومنها : ليعلم ما بلغ من بلغ مقام الرجال البالغة إلا بالصبر على البلوى ، وتفويض الأمور إلى المولى ، والرضاء بما يجري عليه في القضاء . وبقوله : { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } [ ص : 42 ] ، يشير إلى أن الله تعالى إذا نظر إلى العبد بنظر الرضاء يبدل مرضه بالشفاء ، وشدته بالرخاء ، وجفاه بالوفاء ، ويخرج من تحت قدميه بركضته ينبوعاً ينبع منها مغتسل العلل ، ومشرب أرباب الملك . وبقوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [ ص : 43 ] ، يشير إلى كمال القدرة على الإيجاد والإفناء ، والإحياء والإماتة ، والإعادة إظهاراً للرحمة ، وموعظة لأرباب القلوب الحية . وبقوله : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } [ ص : 44 ] ، يشير إلى معانٍ مختلفة : منها : إظهاراً لبراءة ساحة المرأة من كل ريبة توهمها في حقها أيوب عليه السلام . ومنها : إن الله تعالى أراد أن يعصم نبيه أيوب عليه السلام عن الذنبين اللازمين أحدهما ، إما الظلم ، وإما الحنث . ومنها : إنه تعالى أراد ألاَّ يضيع أجر إحسان المرأة مع زوجها ، ولا يكافئها بالخير شراً ، وتبقى ببركتها هذه الرخصة في الأمم إلى يوم القيامة . وبقوله : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ ص : 44 ] ، يشير إلى أن أيوب عليه السلام لم يكن ليجد نفسه صابراً ، { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } [ ص : 44 ] ؛ أي : جعلناه صابراً ، يدل على هذا المعنى قوله تعالى لنبيه عليه السلام : { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [ النحل : 127 ] ؛ أي : هو الذي صبرك ، وإلا لم تكن تصبر ، وقوله : { نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ } [ ص : 44 ] يدل على أنه تعالى جعله صابراً ؛ لأنه كان نعم العبد ، وإنما كان نعم العبد ؛ لأنه كان أواباً راجعاً إلى الحضرة في طلب الصبر على البلاء ، والرضا بالقضاء .