Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 29-34)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } [ الزمر : 29 ] من تلك الأمثال { رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ } [ الزمر : 29 ] ؛ أي : الذي يتجاذبه شغل الدنيا وشغل العيال ، وغير ذلك من الأشغال المختلفة ، والخواطر المتشتتة ، { وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ } [ الزمر : 29 ] مؤمناً خالصاً ليس للخلق فيه نصيب ، ولا للدنيا معه نسيب ، وهو عن الآخرة غريب ، وإلى الله قريب منيب ، { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } [ الزمر : 29 ] البطَّالون والطالبون ، والمنقطعون والواصلون ، { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } [ الزمر : 29 ] الثناء له وهو مستحق لصفات الجلال { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 29 ] كمال جماله ، ولا يطَّلعون على أحسن استعدادهم لمرآتية صفات جماله وجلاله ، وإلا لعطلوا الأمور الدنيوية بأسرها ، وخربت الدنيا التي هي مزرعة الآخرة ، وهلك الباطل والطالب . وبقوله : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] ، يشير إلى نعيه صلى الله عليه وسلم ، ونعي المسلمين إليهم ؛ ليفرغوا بأجمعهم عن مأتمهم ، ولا تعزيه في العادة بعد ثلاث ، ومن لم يتفرغ من مأتم نفسه وأنواع همومه فليس له من هذا الحديث [ في شيء ] ، فإذا أفرغ قلبه عن حديث نفسه وعن الكونين بالكلية فحينئذ يجد الخير من ربه ، وليس هذا الحديث إلا بعد فنائهم عنهم ؛ ولهذا أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام فقال : " يا داود فرغ لي بيت أسكن فيه قال : يا رب أنت منزه عن البيت كله ، قال : فرغ لي قلبك " ، وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [ الشرح : 1 ] ؛ يعني : ولي قلبك ، وقال : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } [ المدثر : 4 ] ؛ أي : قلبك فطهر ؛ أي : عن لوث تعلقات الكونين . { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [ الزمر : 31 ] ، أي : تراجعون الحق تعالى لشفاعة أقربائكم وأهاليكم وأصدقائكم بعد فراغكم عن خويصة أنفسكم . وبقوله : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ } [ الزمر : 32 ] ، يشير إلى بعض مدَّعي هذا الحديث ممن يدَّعي ويكذب على الله بأنه أعطاه رتبة لم يذق بعد منها ما يشاء ، وإذا وجد صديقاً جاءه بالصدق في المقال والأحوال كذبه ، وينكره على صدقه ، يكون حاصل أمره يوم القيامة قوله تعالى : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } [ الزمر : 60 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } [ الزمر : 32 ] ؛ أي : لكافري النعمة . { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ } [ الزمر : 33 ] ؛ أي : جاء به من الحق تعالى لا من عند نفسه ؛ لأن الصدق ليس من المكاسب ، بل هو من المواهب ، { وَصَدَّقَ بِهِ } [ الزمر : 33 ] ؛ أي : الذي جاء بالصدق هو الذي صدق بالصدق إذ رآه مع غيره ؛ لأن الصدق لا يرى إلا بالصدق ، كما أن النور لا يرى إلا بالنور ؛ ولهذا قال : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [ الزمر : 33 ] ؛ أي : بنور الصدق يرون الحق والباطل فيتقون بالحق عن الباطل . { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } [ الزمر : 34 ] ؛ لأنهم تقربوا إلى الله بالاتقاء به عما سواه ، فأوجب الله في إدامة كرمه أن يتقرب إليهم بإعطاء ما يشاءون من عنده ، بحسب حسن استعدادهم في الطلب بالتقرب من كمالات القرب والمشاهدة ، { ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الزمر : 34 ] ؛ أي : ذلك للقرب والمشاهدة جزاء من عمل على مشاهدة الحق ؛ لأن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .