Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 35-40)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } [ الزمر : 35 ] ؛ أي : من المحسنين { أَسْوَأَ } [ الزمر : 35 ] من الإحسان ، { ٱلَّذِي عَمِلُواْ } [ الزمر : 35 ] ؛ أي : من الكبائر { وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الزمر : 35 ] من الإحسان ، فأحسن ما عملوا أن عبدوا الله كأنهم يرونه ؛ أي : عبدوه على المشاهدة وبأحسنها . { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [ الزمر : 36 ] ؛ أي : أليس الله لعبده بكاف عن غيره وعما سواه ، والإشارة فيه : إن الله كاف لعبده عن كل شيء ، ولا يكفي له كل شيء عن الله ، ولهذا المعنى { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } [ النجم : 16 ] من نفائس الملك والملكوت ؛ ليكون للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك النفائس كافياً عن رؤية الله ، { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [ النجم : 17 ] بنظر القبول إليها حتى { رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } [ النجم : 18 ] . وبقوله : { وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } [ الزمر : 36 ] ، يشير إلى إن رؤية الخير والشر من غير الله ضلالة ، وتخويف بمن دون الله غاية الضلالة ؛ فلهذا قال تعالى : { وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ } [ الزمر : 36 ] ؛ لأن الهادي على الحقيقة هو الله . { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ } [ الزمر : 37 ] كيف يضله ؟ ! { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ } [ الزمر : 37 ] يعز من يعبده { ذِي ٱنتِقَامٍ } [ الزمر : 37 ] ممن يعصيه . ثم أخبر عن مقال أهل الضلال في ثناء ذي الجلال بقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ الزمر : 38 ] ، يشير إلى إن الإيمان الفطري مركوز في جبلة الإنسان يوم الميثاق ؛ إذ أشهدهم الله على أنفسهم فقال : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] ، كما قال : { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [ الروم : 30 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة " ، فلا يزال يوجد في الإنسان وإن كان كافراً أثر ذلك الإقرار ، ولكنه غير نافع إلا مع الإيمان الكسبي بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء به ، فلما قرر عليهم علو صفاته وما هو عليه استحقاق جلاله فأقروا بذلك . ثم طالبهم بذكر صفات الأصنام التي عبدوها من دونه ، فقال : { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } [ الزمر : 38 ] ، فلم يمكنهم في وصفها إلا الجمادية ، والبعد في الحياة ، والعلم والقدرة ، والتمكن من الخلق ، فيقول : كيف أشركتم به بهذه الأشياء ؟ وهل استحببتم عن إطلاق أمثال هذا في صفة { قُلْ } [ الزمر : 38 ] يا محمد ، { حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } [ الزمر : 38 ] كافي الله المتفرد بالجلال ، القادر على ما يشاء ، المتفضل معي ، { قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ الزمر : 39 ] ، سوف ينكشف ربحنا وخسرانكم ، وسوف يظهر زيادتنا ونقصانكم ، وسوف يطالبكم ولا جواب لكم ، ويعذبكم ولا شفيع لكم ، ويدخر عليكم ولا صريح لكم ، وسوف تعلمون { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } [ الزمر : 40 ] بسوء أعماله ، { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ } [ الزمر : 40 ] من أفعاله { عَذَابٌ مُّقِيمٌ } [ الزمر : 40 ] إلى الأبد .