Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 100-101)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن المهاجرين وهم السابقون بقوله تعالى : { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } [ النساء : 100 ] ، والإشارة فيها : إن من غاية ضعف الإنسان ، وجبانة الحيوانية ، واستهواء الشيطانية يكون خوف البشرية غالباً على الطالب الصادق في بدء طلبه ، فكلما أراد أن يسافر عن الأوطان ويهاجر عن الإخوان طالباً فوائد إشارة أن يسافروا تصحوا ، وتغتنموا الإزالة مرض القلب ونيل صحة الدين والفوز بسنح كامل مكتمل ، وطيب حاذق مشفق ليعالج مرض قلبه ويبلغه كعبة طلبه ، فسولت له النفس إعواز الرزق وعدم الصبر ، ويعده الشيطان بالفقر فقال تعالى : على قضيته { وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً } [ البقرة : 268 ] ، { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [ النساء : 100 ] ؛ أي : في طلب الله ، { يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً } [ النساء : 100 ] ؛ أي : بلاءً أطيب من بلاءه ، وإخواناً في الدين أحسن من إخوانه ، وسعة في الرزق ، وفيه إشارة أخرى ؛ وهي ومن يهاجر عن البشرية في طلب حضرة الربوبية يجد في الأرض الإنسانية ، { مُرَٰغَماً كَثِيراً } [ النساء : 100 ] أي : متحولاً ومنازل مثل القلب والروح والسر ، { وَسَعَةً } [ النساء : 100 ] أي : وسعة في تلك العوالم الوسيعة وسعة من رحمة الله . كما أخبر تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم عن تلك العوالم الوسيعة بقوله : " لا يسعني أرضي ولا سمائي وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن " ، فافهم يا كثير الفكر قصير النظر قليل العبر . ثم قال تعالى دفعاً للهوى حبس النفسانية ووساوس الشيطانية في التخويف بالموت والإبعاد بالفوت { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ } [ النساء : 100 ] أي : ببيت بشريته بترك الدنيا وقمع الهوى وقهر النفس بهجران صفاتها وتبديل أخلاقها { مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ } [ النساء : 100 ] وطالباً له في متابعته ، { وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ } [ النساء : 100 ] قبل وصوله ، { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } [ النساء : 100 ] ؛ يعني : فقد أوجب الله تعالى على ذمة كرمه بفضله ورحمته أن يبلغه إلى أقصى مقاصده وأعلى مراتبه في الوصول ينال على صدق نية وخلوص طوية إذا كان المانع من أجله ، ونية المؤمن أبلغ من عمله ، { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } [ النساء : 100 ] ؛ لذنب بقية أنانية وجوده ، { رَّحِيماً } [ النساء : 100 ] ، عليه بتجلي صفة جوده ليبلغ العبد إلى كمال مقصوده بمنِّه وكرمه وسعة وجوده . ثم أخبر عن خوف الأعداء على طريق الأولياء بقوله تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } [ النساء : 101 ] ، إلى قوله : { عَذَاباً مُّهِيناً } [ النساء : 102 ] . والإشارة فيها : إن الله تعالى خلق الخلق للعبودية والمعرفة ، وقد جعلها مخبأة ، فأما العبودية ففي صورة الصلاة ، وأما المعرفة ففي التكبيرات والتسبيحات وسائر أركان الصلاة وشرائطها مودعة ، وليس هذا موضع شرحها وسنبينها في موضعها إن شاء الله تعالى ، فلهذا المعنى فرض الصلاة في الخوف وشدة القتال والحضر والسفر والصحة والمرض ، فإن الصلاة صورة جذبة الحق ومعراج العبد ؛ ليكون العبد مجذوب العناية على الدوام مترقياً مقامات العبودية والمعرفة ، كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً } [ النساء : 103 ] ؛ يعني : واجباً في جميع الأوقات حين فرضت بقوله تعالى : { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } [ النساء : 103 ] ؛ أي : أديموها رخص فيها بخمس صلوات في خمسة أوقات بضرورة ضعف الإنسانية ، كما كانت الصلاة خمسين صلاة حين فرضت ليلة المعراج فجعلها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم خمساً وهذا لعوام الخلق ، وأثبت دوام الصلاة للخواص بقوله : { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } [ المعارج : 23 ] .