Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 97-99)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن القاعدين الظالمين لأنفسهم بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } [ النساء : 97 ] إلى قوله : { غَفُوراً } [ النساء : 99 ] ، والإشارة فيها : إن المؤمنين عوام وخواص وخاص الخاص ، كقوله تعالى : { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } [ فاطر : 32 ] ؛ وهو العام ، { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } [ فاطر : 32 ] ؛ وهو الخاص ، { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ } [ فاطر : 32 ] ؛ وهو خاص الخاص ، فالذي { تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } [ النساء : 97 ] ؛ فهم العوام الذين ظلموا على أنفسهم بتدسيسها من غير تزكيتها عن أخلاقها الذميمة وتحليتها بالأخلاق الحميدة ليفلحوا فخابوا وخسروا ، كما قال الله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [ الشمس : 9 - 10 ] ، { قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } [ النساء : 97 ] ؛ أي : قالت الملائكة حين قبضوا أرواحهم في أي غفلة كنتم تضيعون أعماركم تبطلون استعدادكم الفطري ؟ وفي أي واد من أودية الهوى تهيمون ؟ وفي أي روضة من رياض الدنيا تسرحون ؟ أكنتم تؤثرون الفاني على الباقي ، وتنسون الطهور الساقي ، وإخوانكم يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، ويهاجرون عن الأوطان ويفارقون الإخوان والأخدان ، { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ } [ النساء : 97 ] ؛ أي : عاجزين عن استيلاء النفس الأمارة ، وغلبة الهوى ما سوى الشيطان في حبس البشرية ، { قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً } [ النساء : 97 ] ؛ أي : أرض القلب واسعة ، { فَتُهَاجِرُواْ } [ النساء : 97 ] عن مضيق أرض البشرية تسلكوا في فسحة عالم الروحانية ، بل تطيروا في هواء الهوية ، { فَأُوْلَـٰئِكَ } [ النساء : 97 ] ؛ يعني : ظالمي أنفسهم ، { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } [ النساء : 97 ] البعد عن مقامات القرب ، { وَسَآءَتْ مَصِيراً } [ النساء : 97 ] ، جهنم البعد لتاركي القرب ، والقاعدين عن جهاد النفس ، { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ } [ النساء : 98 ] ، الذي صفتهم { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } [ النساء : 98 ] في الخروج عن الدنيا ؛ لكثرة العيال وضعف الحال ، وعلى قهر النفس وغلبة الهوى ، ولا على قمع الشيطان في طلب الهدى ، { وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } [ النساء : 98 ] ، إلى صاحبة ولاية يتمسكون بعروة الوثقى ، ويعتصمون بحبل إرادته في طلب المولى ، فيخرجهم من ظلمات البشرية إلى نور سماء الربوبية على أقدام العبودية ؛ وهم المقتصدون المشتاقون ، ولكن بحجب الأنانية محجوبون عن شهود جمال الحق محرومون فعذرهم الله ، ووعدهم الله رحمته وقال تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } [ النساء : 99 ] ، السكون عن الله والركون إلى غير الله { وَكَانَ ٱللَّهُ } [ النساء : 99 ] في الأزل ، { عَفُوّاً } [ النساء : 99 ] ؛ لعفوه أمكنكم التقصير في العبودية { غَفُوراً } [ النساء : 99 ] ؛ ولغفرانه أمهلهم في إعطاء حق الربوبية .