Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 117-121)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً } [ النساء : 117 ] ؛ يعني : ما يعبدون من دون الله ، ولا يطلبونه من الدنيا والآخرة ومنافعهما ، إلا هو بمثابة الإناث لكم يتولد منه الشرك المقدر بمشيئته الأزلية ، { وَإِن يَدْعُونَ } [ النساء : 117 ] ؛ أي : وإن يعبدون { شَيْطَٰناً مَّرِيداً } [ النساء : 117 ] ، { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } [ النساء : 118 ] ؛ يعني : وما يعبدون شيئاً إلا هو شيطان لهم يضلهم عن طلب الله والوصول إليه ، وقد لعنه الله وأبعده عن الحضرة إذا كان سببه ضلالتهم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الدنيا ملعونة وملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه " ، وإنما لعن الله الدنيا وأبغضها ؛ لأنها كانت سبباً للضلالة وكذلك الشيطان ، فافهم جيداً . { وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } [ النساء : 118 ] ، والنصيب المفروض من العباد ؛ هم طائفة خلقهم الله أهل النار ، كقوله تعالى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [ الأعراف : 179 ] ؛ وهم أتباع الشيطان هاهنا ، والنصيب المفروض في الأزل ، إذ قال تعالى بالكلام الأزلي القديم : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 85 ] ، وإبليس مع كفره ظن أنه قد يرى ، إذا قال : { وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } [ النساء : 119 ] ، ما علم أنه بعث مزيناً وليس إليه من الضلالة شيء ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " بعثت مبلغاً وليس إليَّ من الهداية شيء " ، فمن يرى حقيقة الإضلال مشيئة من إبليس فهو إبليس وقته ، وقد قال تعالى : { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ فاطر : 8 ] ، وقال : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } [ البقرة : 26 ] ، فكما أن لأهل الإيمان أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لا يهدي من أحب ، فكذلك أهل الضلالة هم أتباع إبليس وإنه لا يضل من أحب ، فافهم جيداً . ثم أول إضلال إبليس بقوله تعالى : { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } [ النساء : 119 ] ، فليس على الإضلال للشيطان قدرة وقوة إلا بطريق الفتنة والتزيين ، والأمر والدعاء ، كقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ إبراهيم : 22 ] ، فإني ما كنت لكم في الضلالة إلا عوناً وولياً ، وأنتم اتخذتموني في ذلك ولياً ، { وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } [ النساء : 119 ] من نواة سعادة الدارين ؛ لأن الشيطان يعدهم برحمة الله وعفوه من غير توبة على المعاصي والكف عن الذنوب ، { وَيُمَنِّيهِمْ } [ النساء : 120 ] ، بما يلائم طباعهم ، { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } [ النساء : 120 ] ، إلا أن يغتروا بالحياة الدنيا وزينتها ، ويغتروا بكرم الله وعفوه ، وقد قال تعالى : { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } [ لقمان : 33 ] ؛ والغرور : هو الشيطان ، ومن يغتر به { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } [ النساء : 121 ] ؛ أي : مقامهم ومسكنهم ؛ لأنهم خلقوا لذلك ، وإنما اغتروا بقول الشيطان لهذه الخاصية ، { وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } [ النساء : 121 ] ، إذ هي ناديهم ولها خلقوا على التحقيق بالحكمة البالغة والمشيئة الأزلية ، فافهم .