Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 122-124)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عمن خلق للجنان وأنهم أهل الإيمان بقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ النساء : 122 ] ، والإشارة فيها وهي إن { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ النساء : 122 ] ؛ يعني : الذين آمنوا واتقوا ولازموا ذكر لا إله إلا الله فتبين لهم أنهم عملوا الصالحات ، ويدل عليه قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } [ الأحزاب : 70 ] ؛ وهو لا إله إلا الله { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } [ الأحزاب : 71 ] ؛ أي : يخلص ، فإن إصلاح الأعمال في إخلاصها . ثم اعلم أن بالإيمان والتقوى ، وملازمة الذكر يكون العمل صالحاً ، وبالعمل الصالح يصعد الذكر إلى الله تعالى ، كما قال تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] ، فبالذكر والعمل الصالح يجتذب الذاكر عن أنانيته إلى هوية المذكور ، كقوله تعالى : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] ، فيعبر عن أول مرتبة المذكور به بقوله تعالى : { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } [ النساء : 122 ] ، ويعبر عن مراتبها الباقية بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 54 - 55 ] ، { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } [ النساء : 122 ] ، وعده ما قال هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي ، { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } [ النساء : 122 ] ؛ أي : لمن قوله بصدق قوله ويؤمن بوعده ، { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } [ النساء : 123 ] ؛ يعني : بأماني عوام الخلق والذين يذنبون ويطمعون أن يغفر الله لهم ، والله تعالى يقول : وإني لغافر لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ، { وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } [ النساء : 123 ] ؛ يعني : علما السوء الذين يغرون بالرخاء المذموم ، ويقطعون عليهم طريق الطلب والجد والاجتهاد ، { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } [ النساء : 123 ] في الحال بإظهار الذين على مرآة قلبه بقدر الذنب ، كما قال صلى الله عليه وسلم " إذا أذنب العبدُ نُكِتَ في قلبه نُكْتَةٌ سوداء فإن تاب صُقِل " ، { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ النساء : 123 ] ؛ يعني : ولا يجد له إلا الله ، { وَلِيّاً } [ النساء : 123 ] ، يخرجه من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة بالتوبة ، { وَلاَ نَصِيراً } [ النساء : 123 ] سوى الله بالظفر على النفس الأمارة بالسوء ، فيزكيها عن صفاتها وعلى الشيطان فيدفع سره وكيده ، { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } [ النساء : 124 ] أي : الخالصات ، { مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } [ النساء : 124 ] ، يشير بالذكر إلى القلب ، وبالأنثى إلى النفس ، { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ النساء : 124 ] مخلص في ذلك الأعمال ، { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } [ النساء : 124 ] ؛ المعنى أن القلب إذا عمل مما وجب عليه من التوجه إلى العالم العلوي ، والإعراض عن العالم السفلي ، وغض البصر عن سوى الحق يستوجب دخول الجنة ، والقربة والوصلة والنفس إذا عملت مما وجب عليها من الانتهاء عن هواها وترك حظوظها ، وأداء حقوق الله في العبودية واطمأنت بها تستحق الرجوع إلى ربها والدخول في جنة عالم الأرواح ، كما قال تعالى : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 27 - 28 ] ، { وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } [ النساء : 124 ] فيما قدر الله لهم من الأعمال الصالحات ، ولا من الدرجات والقربات ، فليس من تمنى نعمة من غير أن يتبعني في خدمة من يتمنى نعمته وإن بينهما بوناً بعيداً من أعلى مراتب القرب إلى أسفل سافلين البعد .