Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 149-151)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { إِن تُبْدُواْ خَيْراً } [ النساء : 149 ] ؛ يعني : مما كوشفتم به من ألطاف الحق تنبيهاً للخلق وأفادت بالحق ، { أَوْ تُخْفُوهُ } [ النساء : 149 ] صيانة لنفوسكم عن آفات الشوائب ، وفطامها من المشارب ، { أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ } [ النساء : 149 ] مما يدعوكم إليه سوى النفس الأمارة ، أو تتركوا إعلان ما جعل إظهاره سوء ، فإن الله عفو ، فتكون عفواً متخلقاً بأخلاقه متصفاً بصفاته ، وأيضاً { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ } [ النساء : 149 ] في الأزل ، { عَفُوّاً } [ النساء : 149 ] عنك بأن لم يجعلك من المخذولين حتى صرت عفواً عما سواه ، وكان هو { قَدِيراً } [ النساء : 149 ] على خذلانكم حتى لا يقدر على أن يعفوا عن مثقال ذرة لكفرانك ، { إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 34 ] . ثم أخبر عن لوم الإحسان وكفرانه ، وعن كرم الحق وغفرانه بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } [ النساء : 150 ] ، إشارة فيها : إن الذين يكفرون بالله ورسله ومنها { وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } [ النساء : 150 ] ، ومنها { وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } [ النساء : 150 ] ؛ يعني : بين أنهم يؤمنون ببعض من الكتب والرسل ويكفرون ببعض ، فيضعون ذنباً ومذهباً يضلون به الخلق عن الصراط المستقيم والدين القويم ، فلما ازدادوا كفر وضلالة حتى آل أمرهم في الكفر إلى أن يصنعوا ذنباً في الضلال ؛ ليضلوا الناس به عن طريق الحق ، وصار كفرهم حقيقياً فسماهم الله في الكفر حقاً ، وقال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً } [ النساء : 151 ] ؛ يعني : الذين أخطأهم النور عند الرشاش على الأرواح ، { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ } [ النساء : 151 ] ، في يوم رش النور { عَذَاباً مُّهِيناً } [ النساء : 151 ] ؛ لحرمانهم عن تلك السعادة إذا كرم المؤمنين بإصابة ذلك النور ، وأهين الكافرين بحرمانهم عنهم ، وفي الآية دلالة على أن الإيمان لا يتجزأ ولا ينقسم وإن كان يزيد وينقص ؛ لأنه لو كان متجزئاً لكان من يؤمن بالله وببعض الكتب والرسل جزء من الإيمان ، فلما لم يكن لهم من الإيمان شيء علمنا إنه لا يتجزأ ولا ينقسم وإن كان يزيد وينقص فحسب ، مثل نور الشمس وضياؤه إذا دخل البيت من كوة فيزيد وينقص بحسب زيادة الكوة ونقصانها ، ولكن لا يمكن تجزئتها البتة بحيث يؤخذ جزء منه فيجعل في شيء آخر غير محاذي الشمس ، والآية تدل على أن الإيمان لا يحصل بزعم المرء وحسبانه وإنما يحصل بحصول شرائط نتائجه منه .