Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 25-25)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عمن لم يستطع بقوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ } [ النساء : 25 ] ، إشارة في الآية : إن الله تعالى كما أحب نزاهة فراش المؤمن عن دنس السفاح ، قد أحب نزاهته عن خسة النفس عند القدرة على نكاح الحرائر ، ثم رخص برحمته في نكاح الإماء عند عدم الاستطاعة ، فقال تعالى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } [ النساء : 25 ] ، وشرط فيه الإيمان ، ولم يجز أن يكون فراش المؤمن ملوثاً بتلوث الشرك ، والأمة جميعاً ورخص عند الضرورة بانفرادهما توسعاً ورحمة ، فيجوز نكاح الكتابية المشركة ، ويجوز نكاح الأمة المؤمنة ، وفيه إشارة أخرى وهي : إن الله تعالى أحب نزاهة قلب المؤمن عن دنس حب الدنيا ، كما أحب نزاهة فراشه فقال : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } [ النساء : 25 ] ؛ أي : قدرة أن ينكح المحصنات المؤمنات ، أن يسخر عجوز الدنيا الصالحة بأسرها ويجعلها منكوحة له ، ويحصنها بتصرف شرائع الإسلام والإيمان ، بحيث لا يكون لها تصرف في قلبه بوجه ما ، { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم } [ النساء : 25 ] ؛ أي : فيتصرف في القدر الذي ملكت يمين قلبه من الدنيا ، فلا يملك قلبه ، { مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } [ النساء : 25 ] ؛ أي : إذا كانت الدنيا له أمة مأمورة بخدمته وهي مؤمنة له بالخدمة ، كما قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله : " يا دنيا : أخدمي من خدمني ، واستخدمي من خدمك " . { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ } [ النساء : 25 ] ، بمراتب إيمانكم وضعفكم في الإيمان { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } [ النساء : 25 ] في الضعف ، فإنه خلق الإنسان ضعيفاً { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } [ النساء : 25 ] ؛ أي : فليتصرف في الدنيا وزهراتها بإذن سيدها ، { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } [ النساء : 25 ] ؛ اي : أدوا حقوقها إلى الله تعالى بالشكر وصرفها في رضا الله تعالى ، وإلى الخلق بالشفقة في الإنفاق عليهم ، وصلة رحم الأخوة في الله من غير منته ورياءه ، { مُحْصَنَٰتٍ } [ النساء : 25 ] بإحصان الصدق والإخلاص ، { غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ } [ النساء : 25 ] بالتبذير والإسراف ، { وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ } [ النساء : 25 ] ؛ يعني : إن يتخذوا الدنيا خدن النفس والهوى ، ويحسبوها حب الأخدان ، { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } [ النساء : 25 ] ؛ يعني : إذا أحصنت دنياكم بإحصان الصدق ، { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ } [ النساء : 25 ] ، وأتت الدنيا وزهراتها بفاحشة وهي غلبات شهواتها على القلب ، { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [ النساء : 25 ] ؛ يعني : ببذل نصف ما ملكت يمينه من الدنيا في الله جناية وعزامة لما أظهر في الفاحشة ، فإنه نصف ما على المحصنات في أول الآية ، عبر عنها بمنكوحة ذي الطول المستطيع وهي الحسرة ، وقلنا هي عجوز الدنيا ، وكما أن حد الحرة المحصنة في إتيان الفاحشة إهلاكها بالرحم ، وحد الأَمة المحصنة نصف ما على المحصنات ، فكذلك حد عجوز الدنيا إذا أحصنها ذو الطول من الرجال فإن أتت بفاحشة أهلكها بالكلية في الله كما كان حال أبي بكر رضي الله عنه ، وحد الأَمة المحصنة من الدنيا هلاك نصفها كما كان حال عمر رضي الله عنه ، والذي يؤكد هذا التأويل حال سليمان عليه السلام { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } [ ص : 31 ] ، فلما شغلته عن الصلاة وأتت بفاحشة حب الخيل ، { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ ص : 32 ] ، رأى أن جدها بإهلاك كلها ، فقال : { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } [ ص : 33 ] ، { ذَلِكَ } [ النساء : 25 ] ؛ يعني : التصرف في قدر من الدنيا ، { لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } [ النساء : 25 ] ؛ أي : لمن يخاف عن ضعف النفس وقلة صبرها على المجاهدة وترك الدنيا بالكلية ، فتأبى نفسه عن قبول الأوامر والنواهي ، وتظهر إمارتها بالسوء فتهلك ، { وَأَن تَصْبِرُواْ } [ النساء : 25 ] ؛ يعني : عن التصرف في الدنيا بتركها ، { خَيْرٌ لَّكُمْ } [ النساء : 25 ] ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " يا طلاب الدنيا لتبروا بها " ، تركها أبر وأبر ، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النساء : 25 ] ؛ يعني : لمن يتصرف في الدنيا بشرائطها التي مر ذكرها ، يغفر ذلاته ويرحم عليه بالحفظ من آفتها .