Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 42-43)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَوْمَئِذٍ } [ النساء : 42 ] ؛ يعني : يوم شهادة هذه الأمة على من كفر من الأمم في الدنيا ، ومجد الكفر في الآخرة بعد كفرهم وجحودهم ، وإقامة البينة بشهادة هذه الأمة عليهم . { يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ } [ النساء : 42 ] ؛ أي : كل فرقة رسولهم ، { لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } [ النساء : 42 ] ، حجالة عن الله والإشهاد وخوفاً من العذاب والنار ، وحسرة { عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 56 ] بإبطال استعداد الفطرة { ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [ الروم : 30 ] ، وتقصيراً استعمال وصرفه في الاستكمال الذي صرفه إليه غيرهم ، { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [ النساء : 42 ] ؛ يعني : إذا جحدوا مع الله وكتموا كفرهم بقولهم : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . ثم أخبر عن خسران السكران بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [ النساء : 43 ] ، إشارة في الآية : إن الصلاة هي معراج المؤمن وميقات مناجاته ، والمصلي هو الذي يناجي ربه ، فقال تعالى : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [ النساء : 43 ] ، يا أهل الإيمان ، { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } [ النساء : 43 ] في مناجاتكم مع ربكم ، فيه دلالة على أن من يصلي ولا يعلم ما يقول ومع من يقول فحكمه حكم السكران الساهي عما يقول ، فيكون حاصله من الصلاة الويل ، كما قال تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } [ الماعون : 4 - 5 ] ، وفيه إشارة أخرى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ النساء : 43 ] ، يا مدعي الإيمان لا تجدون القربة في الصلاة وأنتم سكارى من الغفلات وتتبع الشهوات ، حتى تعلموا ما تقولون في مناجاتكم مع ربكم ، ولماذا تقولون كما تقولون الله أكبر لتكبيرة الإحرام عند رفع اليدين ، ومعناه الله أعظم وأجل من كل شيء ، وإن كنت تعلم عند التقول به فينبغي أن لا تكون في تلك الحالة في قلبك عظمة شيء آخر ، وإمارة ذلك ألا تجد ذكر شيء في قلبك مع ذكره ولا محبة لشيء مع محبته ولا طلب شيء مع طلبه ، فإنه تبارك وتعالى واحد لا يقبل الشركة في جميع صفاته ، وإلا كنت كاذباً في قولك : الله أكبر ، بالنسبة إلى حالك ، وكذلك عند قولك : { وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 79 ] ، فإن كان في قلبك توجه إلى شيء من الدنيا والآخرة ولك مطلوب غير الله فأنت كاذب في ذلك ، فقس الباقي على هذا ، فإن جميع حركاتك في أثناء الصلاة وكلماتك تشير إلى سر من أسرار الرجوع والعروج من مقام البشرية إلى حضرة الربوبية ، فإن كنت غافلاً عن هذه الأسرار والإشارات فتكون كالسكران لا تجد القربة من صلاتك ؛ لأن القربة مشروطة بشرط السجود كما خوطبت : { وَٱسْجُدْ } [ العلق : 19 ] ؛ أي : تنزل مركب أوصاف وجودك لتحمل على رفرف وجوده إلى قاب قوسين أوصاف وجوده لشهود جماله وجلاله ، وهذا هو ستر التشهد بعد السجود . ثم قال تعالى : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } [ النساء : 43 ] ؛ يعني : كما أنكم لا تجدون القربة وأنتم سكارى من الغفلات ، أيضاً لا تجدونها مع جناية استحقاق العبد ؛ وهي ملامسة الدنيا الدنية ، إلا على طريق العبور بقدم ظاهر الشرع سبيل الأوامر والنواهي ، { حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } [ النساء : 43 ] ، بماء التوبة والإنابة ، وصدق الطلب وحسن الإرادة ، وخلوص النية جناية ملامسته الدنيا وشهواتها ، { وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ } [ النساء : 43 ] ، بانحراف مزاج القلب في طلب الحق ، { أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } [ النساء : 43 ] ، كتردد بين طلب الدنيا وطلب العقبى والمولى ، { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ } [ النساء : 43 ] ، من غائط تتبع الهوى ، { أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } [ النساء : 43 ] ؛ أي : لامستم الأشغال الدنيوية ، فأجبتم وتباعدتم عن الله تعالى بعد ما كنتم مجاوري حظائر القدس ، وزلفتم في رياض الأنس { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } [ النساء : 43 ] ، صدق الإنابة والرجوع إلى الحق بالإعراض والانقطاع عن الخلق ، { فَتَيَمَّمُواْ } [ النساء : 43 ] ؛ أي : فاقصدوا ، { صَعِيداً طَيِّباً } [ النساء : 43 ] ، وهو شراب أقدام الرجال الطيبين من سوء الأخلاق والأعمال ، { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ } [ النساء : 43 ] تراب أقدامهم { وَأَيْدِيكُمْ } [ النساء : 43 ] ، وتمسحوا بأيديكم أذيال كرامهم مستسلمين بصدق الإرادة لأحكامهم ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً } [ النساء : 43 ] عنكم التقصير والانقطاع إليه بالكلية ، ولعل يعفو عنكم التلون بالدنيا الدنية بهذه الخصلة المرضية ، { غَفُوراً } [ النساء : 43 ] لكم آثار الشقوة من غبار الشهود ، فإنه يسعد بهم أنيسهم ؛ لأنهم قوم لا يشقى بهم جليسهم .