Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 53-56)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن إمارة أخرى بقوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ } [ النساء : 53 ] ؛ يعني : إمارة المغرورين بعلم الظاهر الممكورين بمكر النفس والشيطان ، بل بمكر الحق إن لو كان لأحدهم من المال والملك نصيب وأفسر ، { فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } [ النساء : 53 ] ، من أهل الحق والعلم الحقير ، نقيراً من الحسد والبغض والحقد لأرباب الحقيقة والمنافاة فيما بينهم . ثم أخبر عن إمارة أخرى فيهم وهي الحسد بقوله تعالى : { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } [ النساء : 54 ] ، وهم أرباب الحقيقة { عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ النساء : 54 ] ؛ أي : من علوم لدنية من غير تعليم ، هو أعطاهم وعلمهم فضلاً منه ورحمة ، فلا يضرهم حسد الحاسدين ، { فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } [ النساء : 54 ] ، والإشارة في : آل إبراهيم إلى أهل الخلة والمحبة فإنهم آل إبراهيم في الخلة ، كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم من آلك يا رسول الله ؟ فقال : " كل مؤمن " ، ويشير بالكتاب والحكمة إلى العلم الظاهر الذي يتعلق بالكتابة والدراسة ، والعلم الباطن الذي يتعلق بأحكام الإيقان من شواهد الغيب ؛ يعني : فإن أرباب الحقيقة الذين يقتدى بهم في هذا الشأن من أعطاهم العلم الظاهر من علم الكتاب والسنة ، والعلم الباطن الذي هو الحكمة ، { وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } [ النساء : 54 ] ؛ يعني : معرفة الله تعالى ، فإن الملك الحقيقي هو المعرفة العظيمة على الإطلاق . ثم أخبر عن علماء الظاهر المقبول المقبل منهم والمردود والمدبر منهم ، بقوله تعالى : { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ } [ النساء : 55 ] ، يشير إلى من صدق العلماء المحققين بما أعطاهم الله واستفاد منهم بالصدق والإرادة ، وما حسد عليهم ، { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } [ النساء : 55 ] ، واعترض عليه وأنكره وحسده وآذاه بالقول والفعل مهما قدر عليه ، { وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ } [ النساء : 55 ] ، نفسه المنكرة الملعونة الحاسدة ، { سَعِيراً } [ النساء : 55 ] ، تسعر على حسناتهم نار الحسد ، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، فيحشر يوم القيامة بلا حسنات { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ } [ البقرة : 81 ] ، { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } [ الأعراف : 36 ] ، بل يكون هو سعيراً يه تسعر جهنم على أهلها ، كقوله تعالى : { نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } [ التحريم : 6 ] ، فافهم جيداً ، وانتبه واعتبر . ثم أخبر عن حال من كفر بهذه الآيات وتوجد فيه هذه الإمارات بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } [ النساء : 56 ] ، إشارة في الآية : إن الذين كفروا ؛ أي : جحدوا من مدعي العلم بآياتنا ؛ يعني : بأوليائنا ، وإن الأولياء هم مظهر آيات الحق ومظهرها ، وهم بذواتهم مظهر آيات العالمين وحجج من الحق على الخلق ، كقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } [ المؤمنون : 50 ] ، { سَوْفَ نُصْلِيهِمْ } [ النساء : 56 ] ؛ يعني : في الدنيا نار الحسد والإنكار ، { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } [ النساء : 56 ] ؛ أي : صفاتهم بنار الحسد ، { بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [ النساء : 56 ] من الصفات ، وذلك أن للإنسان جلوداً بعضها نوراني وهو الصفات الحميدة الروحانية ، وبعضها ظلماني وهي الصفات الذميمة النفسانية ، وكن للنوراني جلود وجميعها بالنسبة إلى نور التوحيد والمعرفة وهو نور الله جلود ، ولهذا ذكر الله تعالى النور بلفظ الوجدان والظلمات بلفظ الجمع في مواضع من القرآن ، كقوله تعالى : { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ } [ الأنعام : 1 ] ، وقوله تعالى : { يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] ، وجمع الصفات النورانية الروحانية والظلمات النفسانية حجاب بين العبد والرب ، كما قال تعالى : " إن لله تعالى سبعين ألف حجاباً من نور وظلمة " ، فإذا عمل العبد عملاً على وفق الشرع وخلاف النفس والهوى ، يجعل الله تعالى بإكسير الشرع بعض نحاس الصفات الظلمانية النفسانية على قدر العمل فضة الصفات النورانية الروحانية ، وبعض صفة الروحانية نير الولاية النورانية الربانية ، وهذا سر قوله : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] ؛ يعني : ظلمات الخليقة إلى نور صفات الخالقية ، فإن صفات الخلقية بالنسبة إلى نور صفات الخالقية كلها { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } [ النور : 40 ] ، وهي جلودات نور الإلهية ، فافهم جيداً . فالعبد يتقرب إلى الله بأداء الفرائض والسنن والنوافل ، ويجعل صفات نفسه وفضة صفات روحه مستعداً لقبول تصرفات إكسير الشرع ، والله تعالى يتقرب إليه بطرح إكسير الفيض الرباني على نحاس صفات نفسه وفضة صفات روحه ، فيصير جلود صفات لب صفات الروح وجلود صفات نور الولاية إلى أن تصير الجلود ، وقوله : " كنت له سمعاً وبصراً ولساناً " ، تفهم إن شاء الله . وكذلك إذا عمل العبد على وفق الطبع ومتابعة الهوى ومخالفة الشرع ، يصير بإكسير الشقاوة بعض فضية الصفات النورانية الروحانية نحاس الصفات الظلمانية النفسانية على قدر العمل ، فيصير اللب جلداً وقشراً إلى أن تصير الألباب النورانية كلها جلوداً ظلمانية ، وهذا سر قوله تعالى : { أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ } [ البقرة : 257 ] ، فالإشارة في قوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } [ النساء : 56 ] ، إن جلود الصفات الروحانية كلما نضجت بنار الحسد والبخل ، والحقد والكبر ، والإنكار والجحود وغيره من الأخلاق الذميمة ومخالفات الشريعة ، { بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [ النساء : 56 ] ، من الصفات النفسانية الظلمانية ، { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [ النساء : 56 ] ، البعد والمحجوبية عن الله تعالى وعذاب المبدلية من الصفات النورانية الروحانية إلى الصفات الظلمانية النفسانية ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً } [ النساء : 56 ] ، فلعزته لا يهتدي إليه كل جبار متكبر سفيه النفس ، وفي الهمة قصير النظر ركيك العقل عابد الهوى أسير الشهوة ، قليل النخوة كثير الحسد والحرص ، طالب الدنيا المعجب برأيه الخبيث في ذاته المفسد في صفاته ، { حَكِيماً } [ النساء : 56 ] ، هدى بحكمته أولياء ، وإلى حضرته كل هين سهل قريب متواضع ، قانع صابر شاكر ، سليم مستسلم ، كريم النفس رقيق القلب خفيف الروح على الهمة ، دقيق النظر لطيف الطبع دائم السرور ، الشريف في ذاته الكريم في أخلاقه وصفاته ، فمن جعل لبابة الروحانية هاهنا في الجلود من الصفات النفسانية ، فيحشر يوم القيامة وكل وجوده جلود لا لب له ، فيصلى النار { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [ النساء : 56 ] ، وهذا النضج والتبديل كان حاصلاً له في الدنيا ولكن لم يذق المسه حتى ينتبه ، " فالناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " ، فافهم جيداً ، وتنبه يا مسكين لعلك تفلح .