Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 57-59)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن الذين انتبهوا بقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ النساء : 57 ] ، إشارة في الآيتين : إن قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ النساء : 57 ] ، معطوف على ما قبله من ذكر علماء السوء المنكرين ؛ يعني : والذين صدقوا منهم أولياء الله عليهم من المواهب الربانية والعلوم اللدنية ، وأصغوا إلى كلامهم وأقبلوا على صحبتهم وتابعوهم في السير إلى الله تعالى ، { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ النساء : 57 ] ؛ يعني : بإشاراتهم أعمالاً صالحة لسلوك سبيل الله والوصول ، { سَنُدْخِلُهُمْ } [ النساء : 57 ] ؛ يعني : سنجزيهم بجذبات العناية إلى { جَنَّاتٍ } [ النساء : 57 ] القربة والوصلة ، { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ النساء : 57 ] ، من ماء الحكمة ، ولبن الفطرة ، وخمر الشهود ، وعسل الكشوف ، { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } [ النساء : 57 ] ، مخلدين في الوصلة مؤيدين { أَبَداً } [ النساء : 57 ] من غير الفرقة ، { لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ } [ النساء : 57 ] ، من تجلي صفات الجلال والجمال ، { مُّطَهَّرَةٌ } [ النساء : 57 ] من الوهم والخيال ، { وَنُدْخِلُهُمْ } [ النساء : 57 ] بالجذبة من ظل الوجود المجازي ، { ظِـلاًّ ظَلِيلاً } [ النساء : 57 ] من الوجود الحقيقي الذي لا مجاز بعده ، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " . والإشارة في قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } [ النساء : 58 ] ، عقيب قوله : { وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } [ النساء : 57 ] أن الوجود المجازي كان عندكم أمانة من الله تعالى ، كما أن وجود الظل مجازي بالنسبة إلى الشمس ، وهذا أمانة من الشمس عند الظل ، فإذا انجلت الشمس للظل تقول بلسان الجلال للظلال : إن الشمس تأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، فتلاشت الظلال واضمحلت وانمحت الآثار ، وبقي الواحد القهار ، وهذا أحد أسرار قوله تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [ الرعد : 15 ] . ثم قال تعالى : { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ } [ النساء : 58 ] ؛ يعني : يأمركم بعد فناء الوجود المجازي وبقاء الوجود الحقيقي أن تحكموا بالعدل بين الروح والقلب والبدن ؛ كيلا يظلم بعضهم على بعض ، ويواظب البدن على وظائف الشريعة ، وتتأدب النفس بآداب الطريقة ، ويراقب القلب بشواهد اللقاء ، ويلازم الروح عتبة الفناء بواردات سلطان البقاء ، { إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } [ النساء : 58 ] ؛ أي : نعماً يعظكم بطلبه ، فيه تعظيم قدر المطلوب وتعظيم قدر طريق الطلب ، ورعاية المطلوب بعد وجدانه ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ } [ النساء : 58 ] في الأزل ، { سَمِيعاً } [ النساء : 58 ] بمقالات أصحاب الحوائج عند استدعاء الحاجات من ربهم قبل وجودهم ، فأعطاهم إياهم قبل السؤال ، { بَصِيراً } [ النساء : 58 ] بمعاملاتهم فيما أعطاهم وصرفه في الحق والباطل فيجازيهم بها إلى الأبد . ثم أخبر عن طريق صرف ما لا يحق في الحق بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } [ النساء : 59 ] . والإشارة فيها : إن الخطاب في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ النساء : 59 ] مع القلب والروح والسر ، فإنهم آمنوا على الحقيقة لوهم استعداد قبولهم للإيمان ونوره وهم المخاطبون بقوله تعالى : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } [ النساء : 59 ] ، فطاعة القلب : لله في أن يحب الله وحده لا يحب معه أحداً له ، وطاعة الروح : ألاَّ يلتفت إلى غير الله في الطلب ولا يطلب منه إلا هو ، وطاعة السر : في ألاَّ يرى غير الله في الوجود ، كما قال بعضهم : ما في الوجود سوى الله { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [ النساء : 59 ] ؛ يعني : كونوا بحكم وارد الوقت ، فكما أن طاعة الرسول الظاهر هي قوله تعالى : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [ الحشر : 7 ] ، وكذلك طاعة الرسول ، وأراد الحق في الباطن هو أن يأخذوا ما أتاهم ، وأراد الحق بحكم الوقت مراً كان أو حلواً أن لا يعترضوا عليه ولا يعرضوا عنه ، ويصبروا عليه صبر الرجال ، وينتهوا عما نهاهم بالشواهد والإشارات ، وأما بالأحوال أو وقوع الواقعات يدل على هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم لوابصة بن معبد : " استفت قلبك يا وابصة ، ولو أفتاك المفتون " { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } [ النساء : 59 ] ؛ يعني : مشايخكم ومن بيده أمر تربيتكم ، فإن أولي الأمر المريد شيخه في التربية ، فينبغي للمريد أن يكل وارد حق يدق باب قلبه ، وإشارة وإلهام ، وواقعة تنبئ وتخبر عن أعمال وأحوال في حقه تضرب على محك نظر شيخه فيما يرى فيه الشيخ ، فأولي الأمر الكتاب والسنة ، فينبغي له أن ما سنح له من الغيب بوارد الحق من الكشوف والشواهد والأسرار والحقائق أن يضرب على محك الكتاب والسنة فيما صدقاه ، ويحكمان عليه فقبله يكون بحكمه ، { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [ النساء : 59 ] ، يحتمل معنيين : أحدهما : منازعة النفس مع القلب والروح والسر فيما يرد عليهم من الحق ، أو فيما يحكم به الشيخ { فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [ النساء : 59 ] ؛ يعني : إلى الكتاب والسنة . والثاني : منازعة القلب فيما يحكم به الكتاب والسنة ، نزاعاً من قصور الفهم والدراية وإدراك دقائقها والكشف عن حقائقها ، { فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ } [ النساء : 59 ] بمراقبة القلوب بشواهد الغيوب ، وإلى رسول وارد الحق بصدق النية وصفاء الطوية عن كدورات البشرية ، { إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } [ النساء : 59 ] ؛ أي : بنور آمنتم الذي شرح الله صدوركم للإسلام ، وبرسول وارد الحق إلى قلوبكم للإيمان { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ النساء : 59 ] شاهدتم بنور الله اليوم الذي بعد يوم الدنيا وآمنتم به ، { ذٰلِكَ خَيْرٌ } [ النساء : 59 ] ؛ يعني : ذلك الإيمان الإيقاني بشهود نور الرباني خير من تعلم الكتاب والسنة بالتقليد دون التحقيق ، { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [ النساء : 59 ] ، عاقبة وجزاء في الحال والمال .