Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 70-73)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ذٰلِكَ } [ النساء : 70 ] ، الرفق والرفاقة إنما هي { ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ } [ النساء : 70 ] لا من أحد غيره ، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } [ النساء : 70 ] ، بمن استعداده لهذه الرفاقة فيوفقه لتحصيل هذه السعادة ، فيطيع الرسول صلى الله عليه وسلم ويحب جميع الصحابة ، وتدل هذه الآية على خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وذلك أن الله تعالى ذكر مراتب أوليائه وأنبيائه على الترتيب فقدم الأنبياء على الأولياء ، فليس لأحد أن يؤخر الأنبياء على الأولياء ، وجعل مراتب الأولياء ثلثاً : الأخص وهم الصديقون ، والخواص وهم الشهداء ، والعوام وهم الصالحون ، فكما لا يجوز أن يقدم الأولياء على الأنبياء ، فكذلك لا يجوز أن يقدم الشهداء على الصديقين ، فلا يجوز أن يقدم الشهداء وهم : عمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - على أبي بكر رضي الله عنه ؛ لأنه أول من صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، يدل عليه قوله تعالى : { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [ الزمر : 33 ] ؛ يعني : محمد صلى الله عليه وسلم ، وصدق به أبي بكر رضي الله عنه ، فلما صح أنه الصديق وأنه ثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز أن يتقدم عليه أحد بعده ، كما يجوز في عهده واجمعوا على خلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده صارت الخلافة إلى الشهداء كما رتبهم الله تعالى بالذكر ، فلا يكون من علامة السعادة تغيير هذه المراتب وتقديم بعضهم على بعض في هذا الزمان ، وهذا مما لا يمكن ؛ لأن الله تعالى أجرى كما قدره في الأزل فلا راد لحكمه ، لا سيما بعد وقوع الأمر ، { لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } [ الأنفال : 42 ] ، وقال تعالى : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } [ النساء : 70 ] ، فلم يبق لمجوز تغيير تلك المراتب ، إلا الاعتراض على الله تعالى فيما جعله مخصوصاً بهذا الفضل ، لقوله تعالى : { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } [ النساء : 70 ] ؛ أي : من يعطيه فضله والاعتراض على النبي صلى الله عليه وسلم حيث اختص أبا بكر رضي الله عنه بهذا الفضل ، وقال : " أفضلكم أبو بكر " ، والاعتراض على جميع الصحابة فإنهم أجمعوا على فضيلة أبي بكر وخلافته ، فافهم جيداً وتفكر في هذا التقرير بلا تعصب ولا تكن من أهل التغير . ثم أخبر عن أهل الفضل وأهل العدل بقوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } [ النساء : 71 ] ، الإشارة فيها : إن الله تعالى بفضله وكرمه يعلم الذين آمنوا أن يأخذوا عدتهم وأسلحتهم في جهاد كافر النفس والشيطان لفلاح الروحاني عن أسير الهوى النفساني بقوله تعالى : { خُذُواْ حِذْرَكُمْ } [ النساء : 71 ] ، هو ذكر الله عز وجل لقوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } [ الأنفال : 45 ] ، قال تعالى : { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ } [ النساء : 71 ] ؛ أي : جاهدوا أنفسكم بالرياضة وقمع الهوى متفرقين ؛ أي : وإن كنتم بوصف التفرقة ولا جمعية لكم ، فإن بالرياضة يحصل الجمعية ، { أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } [ النساء : 71 ] ؛ يعني : جاهدوا على الجمعية والحضور ، فإن الجهاد ماض مع النفس مدة العمر في كل قتلة لها حياة أخرى أطيب وأعز من الأولى بقوله تعالى : { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ } [ النساء : 71 ] إلى الخروج من عالم الحيوانية إلى عالم الروحانية ومن التفرقة إلى الجمعية ، { أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } [ النساء : 71 ] إلى الخروج من عالم الروحانية إلى عالم الوحدانية الربانية ، ومن الجمعية إلى الوحدة . { وَإِنَّ مِنْكُمْ } [ النساء : 72 ] أيها الصديقون { لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } [ النساء : 72 ] ، من المدعين المتكاسلين في السير ، القانعين بالاسم النازلين على الرسم ، { فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } [ النساء : 72 ] شدة وبلاء وجهد وعناء ، قال : { قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } [ النساء : 72 ] من المحنة والشقاوة والشدة والعناء ، { وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله } [ النساء : 73 ] ، فتوحات ومواهب غيبية وعلوم لدنية ، ومرتبة رفيعة عند الخواص ومحبة وقبول عند العوام ، { لَيَقُولَنَّ } [ النساء : 73 ] ، هذا المرائي قول حاسد كاسد ، { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } [ النساء : 73 ] ؛ أي : كمن لم يكن بينكم وبينه صحبة ونسبة في هذا الشأن ، ولم يكن له انتماء إلى هذا الفرق إذا انقطع في الطريق ، { يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ } [ النساء : 73 ] في جهاد النفس وتزكيتها ، وتربية القلب وتصفية وتنقية الروح ، وتحليته وتحلية السر وتقويته ، { فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } [ النساء : 73 ] ؛ أي : فالفوز العظيم ؛ وهو الله جل ثناؤه .