Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 12-16)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال : { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ } [ غافر : 12 ] ؛ أي : ذلك العذاب بأنكم إذا دعيتم بوحدانية الله بالخروج عن الإثنينية كفرتم بكفران هذه النعمة على أنفسكم ، وأنكرتم قبولها ، { وَإِن يُشْرَكْ بِهِ } [ غافر : 12 ] ؛ يعني : ببقاء الوجود والدعوة إلى غير الله من نعيم الدار ، { تُؤْمِنُواْ } [ غافر : 12 ] وتقبلوا ، { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } [ غافر : 12 ] ، في ذلك لا لكم ، فلمن يشاء يبقيه في مقام الإثنينية ، ولمن شاء يخرجه إلى الوحدانية كما قال تعالى : { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ } [ البقرة : 57 ] إلى نور الوحدانية . وبقوله : { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } [ غافر : 13 ] ، يشير إلى أنه ليس للإنسان أن يرى ببصيرته حقائق آيات الحق تعالى إلا بإرادة الحق تعالى إياه كما قال تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ } [ فصلت : 53 ] ، { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ غافر : 13 ] ؛ أي : سماء الأرواح ، { رِزْقاً } [ غافر : 13 ] ؛ أي : الواردات والشواهد التي هي رزق القلوب وبها تتربى ، { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } [ غافر : 13 ] ؛ أي : وما يتحقق هذه الحقائق إلا لمن يرجع بكلية إلى الله تعالى فيشاهد في كل مقام ما يناسب ذلك المقام . وبقوله : { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ غافر : 14 ] ، يشير إلى أن المدعو من الله ينبغي أن يكون على كراهة كافر النفس فإنها تميل إلى مشاربها . ثم أخبر عن الدرجات والكرامات بقوله تعالى : { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ } [ غافر : 15 ] ، يشير إلى رفع درجات الطوائف المختلفة ، رافع درجات العصاة بالنجاة ، والمطيعين بالمثوبات ، والأصفياء والأولياء بالكرامات ، والعارفين بالارتقاء عن الكونين ، والمحبين بالفناء في المجيء وبقاء المحبوبية ، { ذُو ٱلْعَرْشِ } [ غافر : 15 ] ؛ أي : ذو الملك العظيم ؛ لأنه تعالى خلقه أرفع الموجودات وأعظمها جنة إظهاراً للعظمة ، وأيضاً بجميع الصفات ذو عرش القلوب فإنها العرش الحقيقي ؛ لأنه تعالى استوى على العرش بصفة الرحمانية ولا شعور للعرش به ، واستوى على قلوب أوليائه بجميع الصفات وهم العلماء بالله مستغرقين في بحر معرفته ، { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ غافر : 15 ] روح الدراية للمؤمنين ، وروح الولاية للعارفين ، وروح النبوة للنبيين ، { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } [ غافر : 15 ] ؛ أي : لينذر الروح يوم تلتقي مع الله بلا هَوْدٍ ، وهو معنى قوله : { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } [ غافر : 16 ] ؛ أي : خارجون من وجودهم بالفناء ، { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } [ غافر : 16 ] من وجوده هم عند إفنائه حتى لا يبقى له غير الله ، فيقول الله تبارك وتعالى : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [ غافر : 16 ] ؛ يعني : ملك الوجود ، وهذا المقام الذي أشار إليه الجنيد بقوله : ما في الوجود سوى الله فإذا لم يكن لغير الله ملك الوجود يكون هو الداعي والمجيب ، فيقول : { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] ؛ لأنه تعالى تجلى بصفات القهارية فما بقي الداعي والمجيب غير الله .