Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 60-64)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن استدعاء الدعاء عن أهل الولاء بقوله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] ، يشير إلى أن معنى ادعوني ؛ أي : لا تطلبوا مني غيري فإن من كنت له يكون له ما كان لي ، وإن من يطلبني يجدني كما قال " إلا من طلبني وجدني " ، ويقال : { ٱدْعُونِيۤ } [ غافر : 60 ] بشرط الدعاء ، وشرط الدعاء الأكل من الحلال ، وقيل الدعاء مفتاح الحاجة وأسنانه لقم الحلال ، ويقال : كل من دعاه استجاب له إما بما سأله أو شيء آخر هو خير له منه ، ويقال ، الكافر ليس يدعوه ؛ لأنه إنما يدعو من له شريك وهو لا شريك له ، وكذلك المبتدع من المعطلة أو المشبهة لا يعبدون الله ؛ لأنهم إنما يعبدون إلهاً لا صفات له من الحياة والسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة والإرادة بزعمهم ، إنما يدعون إلهاً له جوارح وأعضاء من اليد والأصابع والأرجل والساق والعين ، والله تعالى منزه عن ذلك فإنه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] ، فأما أهل السنة فيثبتون له ذلك بالصفات لا بالأعضاء والجوارح ، ولا يفسرونه ولا يؤدونه ويقرؤونه على ما أراد الله به ويؤمنون به ، ويقولون : إذا ثبت أن هذا الخطاب للمؤمنين فما من مؤمن يدعوا الله ويسأله شيئاً إلا أعطاه إما في الدنيا وإما في الآخرة يقول له : هذا ما طلبته في الدنيا وقد ادخرتها لك إلى هذا اليوم ، حتى يتمنى العبد انه ليته لم يعط شيئاً في الدنيا ويقال : ادعوني - بالسؤال - استجب لكم بالفضل والنوال ، { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } [ غافر : 60 ] ؛ أي : عن دعائي وطلبي ، { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ } [ غافر : 60 ] الحرمان والبعد مني ، { دَاخِرِينَ } [ غافر : 60 ] ؛ أي : ذليلين مهينين مردودين . وبقوله : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } [ غافر : 61 ] ، يشير إلى ليل البشرية يسكنون أهل الرياضات والمجاهدات فيه إلى استرواح القلوب ساعة فساعة ؛ لئلا يمل عن مداومة الذكر والتعبد وحمل أعباء الأمانة ، { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } [ غافر : 61 ] ؛ أي : نهار الروحانية مظهراً للجد والاجتهاد في الطلب ، والتصبر على التعب ، وسكون الناس في الليل على أقسام : أهل اللغة : يسكنون إلى استراحة النفوس والأبدان . وأهل الشهوة : يسكنون إلى أمثالهم وأشكالهم في الرجال والنسوان . وأهل الطاعة : يسكنون إلى حلاوة أعمالهم لبسطهم واستقلالهم . وأهل المحبة : يسكنون إلى حنين النفوس ، وحنين القلوب ، وضراعة الأسرار ، واشتغال الأرواح بنار الأشواق ، وهم يقدمون القرار في ليلهم ونهارهم أولئك أصحاب الاشتياق أبداً في الاحتراق ، { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ غافر : 62 ] الذي جعل سكونكم معه ، وأنزع حكم له عن غيره ، واشتياقكم إليه ، ومحبتكم فيه ، وانقطاعكم إليه ، { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ غافر : 62 ] الذي يقلبكم في جميع الأحوال من حال إلى حال ، ويستعملكم بجميع الأعمال والأقوال ، { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [ غافر : 62 ] مع رؤية هذه الآيات وكشف البينات إلا بقهر دامغ ، وحكم بالغ . { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ } [ غافر : 63 ] كما يؤفكون قهر وحكمة ، { ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ غافر : 63 ] ، وبقوله : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً } [ غافر : 64 ] ، يشير إلى أنه تعالى جعل أرض البشرية مقراً للروح ، { وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً } [ غافر : 64 ] ؛ أي : سماء الروحانية مبنية عليها ، { وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } [ غافر : 64 ] بأن جميع أرض البشرية وسماء الروحانية في عالم صوركم ، ولم يجمعها في صورة شيء آخر من الملائكة ، والجن ، والشياطين ، والحيوانات ، وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] ، وفيه إشارة أخرى إلى : إن الله تعالى خلق الأرض لكم استقلالاً ولغيركم طفيلاً وتبعاً ؛ لتكون مقركم ، والسماء أيضاً خلقها لكم ؛ لتكون سقفكم مستقلين به وغيركم تبعاً لكم فيه ، { وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } [ غافر : 64 ] إذ جعلها مرآة جماله كما قال صلى الله عليه وسلم : " كل جميل من جمال الله وإنما جعل لكم جميلاً ليحبكم " ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله جميل يحب الجمال " ، فيه إشارة إلى : تخطئة الملائكة فيما قبحوكم و { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } [ البقرة : 30 ] ، فإن الحسن ليس ما يستحسنه الناس ، فإن الحسن ما يستحسنه الحبيب ما حطك الواشون عن رتبة عندي ، ولا ضرك مغتاب كأنهم أسنوا ، أو لم يعلموا عليك عندي بالذي عابوا خلق الشموس في ضيائها والأقمار في أنوارها ، ولم يقل لهما { وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } [ غافر : 64 ] ، وفيه أن الواشين قبحوا صورتكم عندنا ؛ بل الملائكة كتبوا صحيفتكم بقبيح ما ارتكبتم ، ومولاكم أحسن صوركم عنده بأن محاسن ديوانكم الزلات ، وأثبت في ذلك الحسنات كما قال تعالى { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } [ الرعد : 39 ] وقال : { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] . { وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ غافر : 64 ] ، ليس الطيب ما يستطيبه الخلق ، الطيب ما يستطيبه الرب ، فإنه طيب لا يقبل إلا طيباً ، فالطيب الذي يقبله الله من العبد إذ هو من مكاسب كلام الطيب ؛ وهو كلمة " لا إله إلا الله " ، كما قال تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } [ فاطر : 10 ] ، والطيب الذي هو مواهب الحق تعالى هو تجلي صفات جماله وجلاله ، وبها أشار بقوله : { وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ غافر : 64 ] ، ثم قال : { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [ فاطر : 64 ] .