Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 30-35)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن القلوب المستقيمة والأرواح الكريمة بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } [ فصلت : 30 ] يشير إلى يوم الميثاق لما خوطبوا بقوله : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] ؛ أي : ربنا الله ، وهم الذرات المستخرجة من ظهر آدم عليه السلام أقروا بربوبيته { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [ فصلت : 30 ] على إقرارهم بالربوبية ، تائبين على أقدام العبودية لما خرجوا إلى عالم الصورة ، ولهذا ذكر بلفظه { ثُمَّ } ؛ لأنه للتراخي فأقروا في عالم الأرواح ، ثم استقاموا في عالم الأشباح ، وهم المؤمنون بخلاف المنافقين والكافرين ، فإنهم أقروا ولم يستقيموا على ذلك : فاستقامة العوام : في الظاهر بالأوامر والنواهي ، وفي الباطن بالإيمان والتصديق . واستقامة الخواص : في الظاهر بالتجريد عن الدنيا وترك زينتها أو شهواتها ، وفي الباطن بالتفريد عن نعيم الجنان شوقاً إلى لقاء الرحمن ، وطلب العرفان . واستقامة الأخص : في الظاهر برعاية حقوق المتابعة على وفق المبايعة بتسليم النفس والمال ، وفي الباطن بالتوحيد في استهلاك الناسوتية ؛ ليستقم بالله مع الله ، فانياً عن الأنانية باقياً بالهوية بلا أرب من المحبوب ، مكتفياً من عطائه ببقائه ، ومن مقتضى جوده بدوام فنائه في وجوده ، { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } [ فصلت : 30 ] الخوف إنما يكون في المستقبل من الوقت ؛ وهو بحلول مكروه أو فوات محبوب ، والملائكة يبشرونهم بأن كل مطلوب لهم سيكون وكل محذور لهم لا يكون ، هذا تحقيق قوله تعالى : { أَلاَّ تَخَافُواْ } ، والحزن من حزونة الوقت ، والذي هو راض بجميع ما يجري مستسلم للأحكام الأزلية فلا حزونة في عيشه ؛ بل من يكون قائماً بالله ، هائماً في الله ، دائماً مع الله ، لا يدركه الخوف والحزن ، فالملائكة يبشرونهم ألا تخافوا من سوء الخاتمة ، ولا تحزنوا على فوات العناية في السابقة ، { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [ فصلت : 30 ] ؛ أي : جنة الوصلة ، فإن الوعد صار نقداً فما بقي الوعد والوعيد ، وما هو إلا عبد في العبد ، فأوعد الله للعوام من جميل الثواب ، وللخواص من حسن المآب نقد لأخص الخواص من أولي الألباب ، ويقال : لا تخافوا من عزل الولاية ، ولا تحزنوا عن منع الهداية ، وابشروا بحسن العناية في البداية والنهاية ، ولا تخافوا ذلة المذلة ، ولا تحزنوا مما أسلفتم من الذلة ، وابشروا بدوام الوصلة ، وبقوله : { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ } [ فصلت : 31 ] يشير إلى ولاية الرحمة للعوام ، وولاية النصرة للخواص ، وولاية المحبة لأخص الخواص ، فبولاية الرحمة للعوام { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ فصلت : 31 ] يوفقهم لإقامة الشريعة ، { وَفِي ٱلآخِرَةِ } [ فصلت : 31 ] يجازيهم بالجنة ، وبولاية النصرة للخواص في الحياة الدنيا يسلطهم على أعدى عدوهم وهو أنفسهم الأمارة بالسوء ؛ ليجعلوها مزكاة من أخلاقها الذميمة وأوصافها الدنية ، وفي الآخرة جذبة { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] وبولاية المحبة لأخص الخواص في الحياة الدنيا يفتح عليهم أبواب المشاهدات والمكاشفات ، وفي الآخرة يجعلهم من أهل القربات والمعاينات ، { وَلَكُمْ فِيهَا } [ فصلت : 31 ] في الآخرة { مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } [ فصلت : 31 ] من نعيم الجنة بحسب علو همتكم فيها ، { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } [ فصلت : 31 ] بدواعي القلوب والأرواح ، من الوصول والوصال بحسب صدق الطلب ، وحسن السؤال من حضرة الجلال ذي الفضل والأفضال ، والكرم والنوال ، { نُزُلاً } [ فصلت : 32 ] فضلاً وعطاءً ، وتقدمه لما يستديم إلى الأبد من فنون الأعطاف وأصناف الألطاف { مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } [ فصلت : 32 ] يبدل السيئات بالحسنات ، ويزيد لأهل الطاعات في الدرجات والقربات . ثم أخبر عن أحسن الأقوال لأرباب الأحوال بقوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ } [ فصلت : 33 ] يشير إلى أن أحسن قول قاله الأنبياء والأولياء قولهم : بدعوة الخلق إلى الله ، وهو من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان مخصوصاً بهذه الدعوة قال تعالى : { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ } [ الأحزاب : 45 - 46 ] وهو أن يكتفي بالله في الله لا يطلب منه غيره ، قال : { وَعَمِلَ صَالِحاً } [ فصلت : 33 ] أي : كما يدعو الخلق إلى الله يأتي بما يدعوهم إليه ؛ يعني : سلكوا طريق الله إلى أن يصلوا إلى الله وصولاً بلا اتصال ولا انفصال ، فبسلوكهم ومنازلتهم عرفوا الطريق إلى الله ، ثم دعوا بعد ما عرفوا الطريق إليه الخلق إلى الله ، { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ فصلت : 33 ] لحكمة الراضين بقضائه وتقديره { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ } [ فصلت : 34 ] ؛ وهي التوجه إلى الله بصدق الطلب وخلوص المحبة ، { وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } [ فصلت : 34 ] ؛ وهي طلب ما سواه منه والرضاء عنه بما دونه ، ولهذا قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين . وبقوله : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ فصلت : 34 ] يشير إلى دفع طلب ما سوى الله بطلب الله فإنه أحسن مما سواه ، فإذا فعلت ذلك وتقربت إلى الله بطلبه والله يتقرب إليك بتجلي صفاته لك { فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ } [ فصلت : 34 ] ؛ يعني : النفس الأمارة بالسوء { كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [ فصلت : 34 ] ؛ لتزكيتها عن صفاتها الذميمة بإفاضة أنوار التجلي عليها ، وهذا هو الإكسير الأعظم بأن صار العدو صديقاً والبعيد قريباً ، { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } [ فصلت : 35 ] لا يقوم باستفادة هذه الأحوال إلا من أكرم بتوفيق الصبر ، ورقى عن سفاسف الشيم الإنسانية إلى معالي الأخلاق الربانية ، { وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 35 ] من فناء نفسه والبقاء بربه .