Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 36-40)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبقوله : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [ فصلت : 36 ] يشير إلى أن النبي والولي لا ينبغي أن يكون أمناً من مكر الله ، وإن الشيطان صورة مكر الحق تعالى يكون على حذر من نزغاته مستعيذاً بالله من همزاته ، فلا يذرها أن تصل إلى القلب بل يرجع إلى الله في أول الخطرة ، فإنه إن لم يخالف أول الخطرة صار فكرة ، ثم بعد ذلك يحصل العزم على ما يدعو إليه الشيطان ، ثم إن لم يتدارك ذلك تجري الذلة ، فإن لم يتدارك بحسن الرجعة صار قسوة ويتمادى به الوقت فهو يخطر كل آفة ، ولا يتخلص العبد من نزغات الشيطان إلا بصدق الاستعانة بالله والإخلاص في العبودية ، قال الله تعالى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [ الحجر : 42 ] فكلما زاد العبد في تبريه من حوله وقوته ، وأخلص بين يدي الله تضرعه واستعانته ، زاد الله في حفظه ورفع الشيطان عنه ؛ بل يسلطه عليه ليسلم على يديه ، { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } [ فصلت : 36 ] لدعائك { ٱلْعَلِيمُ } [ فصلت : 36 ] بقضاء حوائجكم . ثم أخبر عن آياته وتكرماته بقوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ } [ فصلت : 37 ] يشير إلى ليل البشرية ونهار الروحانية ، { وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } [ فصلت : 37 ] إذا تجلت شمس الروح وقمر القلب { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ } [ فصلت : 37 ] ؛ أي : لا تتخذوا ما كشف لكم عند تجلي شمس الروح من المعقولات ، وأنواع العلوم الدقيقة مقصداً ومعبداً كما اتخذت الفلاسفة ، { وَلاَ لِلْقَمَرِ } [ فصلت : 37 ] ؛ أي : لا تتخذوا أيضاً ما شاهدتم عند تجلي شواهد الحق في قمر القلب من المشاهدات ، ومكاشفات العلوم الدينية مقصداً ومعبداً كما اتخذ بعض أرباب السلوك ، ووقفوا عند عقبات العرفان والكرامات ، فشغلوا بالمعرفة عن المعروف ، وبالكرامة عن المكرم { وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ } [ فصلت : 37 ] ؛ أي : اتخذوا المقصود والمعبود حضرة حضرت جلال الله ، الذي خلق ما سواه منازل السائرين به إليه { إِن كُنتُمْ } [ فصلت : 37 ] من جملة المحبين الصادقين الذين { إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [ فصلت : 37 ] طمعاً بوصاله والوصول إليه ، لا من الذين يعبدونه خوفاً من النار وطمعاً إلى الجنة ، { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ } [ فصلت : 38 ] أهل الأهواء والبدع ، ولا يوفقون للسجود بجميع الوجود لله ، { فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } [ فصلت : 38 ] من أرواح الأنبياء والأولياء { يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [ فصلت : 38 ] ينزهونه عن احتياج سجدة أحد من العالمين على أنه { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [ الرعد : 15 ] ، { وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ } [ فصلت : 38 ] على التسبيح والتنزيه ، { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ } [ فصلت : 39 ] أرض البشرية { خَاشِعَةً } [ فصلت : 39 ] يابسة عند إعواز ما الهوى ، وإشراق شمس العناية لم ينبت منها نبات داعية من دواعي البشرية ، { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ } [ فصلت : 39 ] ماء الخذلان والابتلاء { ٱهْتَزَّتْ } [ فصلت : 39 ] بنبات الدواعي { وَرَبَتْ } [ فصلت : 39 ] منها أشجار المعاصي والمناهي ، { إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا } [ فصلت : 39 ] ؛ أي : أحيا النفوس الميتة { لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } [ فصلت : 39 ] ؛ أي : القلوب الميتة يحييها بنور الإيمان ، وصدق الطلب ، وغلبات الشوق ، وكذلك إذا وقع للعبد فترة في معاملة وغيبة من نشاط طلبه ، فإذا تغمده الحق سبحانه بما يدخل على قلبه من ماء التذكير نبت في قلبه نبات الوفاق ، فيعود إلى مألوف مقام هو تعود عود تعداده غضاً طرياً ، وشجر وفاقه بعد ما أصابته الجذوبة بماء العناية مستقياً ، وكذلك إذا حصل لأهل العرفان وقفة ، أو بدا لهم من جرَّاء سوء أدبٍ حجبةٌ ، نظر الحق سبحانه وتعالى إليهم بالرعاية فاهتزت رياض أنسهم ، واخضرت مشاهد قربهم ، وانهزمت وفود وقفتهم { إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ فصلت : 39 ] من إظهار اللطف والقهر . وبقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } [ فصلت : 40 ] يشير إلى إن إلحادهم عن الحق إنما كان من نتيجة خذلاننا فلا يخفى علينا سبب إلحادهم ، فإن كل إنسان نكل إلى نفسه لا يصدر منه إلا إلحاد عن الحق ؛ لأنها جبلت على الأمارية بالسوء ، { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ } [ فصلت : 40 ] وهي : الطبيعة الإنسانية النفسانية الحيوانية التي هي منشأ دركات جهنم { خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ فصلت : 40 ] وهو منظور بنظر عنايتنا ، محفوظ من شر نفسه بفضل رعايتنا ، وفي قوله تعالى : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] إشارة إلى أن وكالتهم إلى هوى أنفسهم ، فإنه بالطبع يهوون إلى الدرك الأسفل ، { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ فصلت : 40 ] بأن يكون مصيركم إلى النار .