Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 41-46)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ } [ فصلت : 41 ] يشير إلى { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا } [ فصلت : 40 ] وفي القرآن إنما ألحدوا فيه ؛ لأنهم كفروا به لما جاءهم وإنما كفروا ؛ لأنهم كانوا لأهل الخذلان ، { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } [ فصلت : 41 ] ؛ يعني : القرآن وإن من عزته أن { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ } [ فصلت : 42 ] ؛ يعني : أهل الخذلان { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } [ فصلت : 42 ] ؛ يعني : بالإيمان به { وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [ فصلت : 42 ] بالعمل به { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ } [ فصلت : 42 ] ينزل بحكمته على من يشاء من عباده لمن يشاء أن يعمل به { حَمِيدٍ } [ فصلت : 42 ] في أحكامه وأفعاله ؛ لأنها صادرة منه بالحكمة ، وبقوله : { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } [ فصلت : 43 ] يشير إلى تسلية أرباب الطلب المعرضين عن الخلق المقبلين على الله ؛ يعني : أيها الطالب الصادق ، إن أطلق الخلق لسان اللوم فيك ، ويقال : إنه مجنون أو ساحر ، فإنه قد قيل للرسل أكثر من ذلك { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } [ ق : 39 ] ، { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ } [ فصلت : 43 ] لك { وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } [ فصلت : 43 ] لأعدائك وحسادك . ثم أخبر عن نعمة القرآن وإنكار أهل الكفران بقوله تعالى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } [ فصلت : 44 ] يشير إلى إزاحة العلة لمن أراد أن يعرف صدق الدعوة وصحة الشريعة ، فإنه لا نهاية للتعلل بمثل هذه المعللات ؛ لأنه تعالى لو جعل القرآن أعجمياً وعربياً ، لقالوا : لولا جعله عبرانياً وسريانياً ، ثم وصف القرآن بأنه شفاء للمؤمنين وسبب شقاء للكافرين بقوله : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ } [ فصلت : 44 ] فهو شفاء للعلماء حيث استراحوا به عن حد الفكرة وتحير الخواطر ، وشفاء لصدق صدور المريدين لما فيه من التنعم بقراءته والتلذذ بالتكفر فيه ، وشفاء لقلوب المحبين من لواعج الاشتياق لما فيه من لطف المواعيد ، وشفاء لقلوب العارفين لما يتوالى عليها من أنوار التحقيق ، وآثار خطاب الرب العزيز : { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ } [ فصلت : 44 ] لا يسمعون بقلوبهم من الحق فلا يستجيبون ، ويقول : في ظلمات الجحد والجهل { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } [ فصلت : 44 ] لا يزدادون على مر الأيام إلا الضلال { أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] ؛ لأن النداء إنما يجيئ من فوق أعلى عليين ، وهم في أسفل السافلين في الطبيعة الإنسانية وهم أبعد البعد . وبقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } [ فصلت : 45 ] يشير إلى أن الإلهامات الربانية التي يلهم بها موسى الروح ، فاختلف فيها فالقلب يؤمر بها ، والنفس تكفر بها ولا تعمل بها { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } [ فصلت : 45 ] في تأخير عذاب النفس بتكاليف الشريعة ومخالفة هواها إلى أجل مسمى ، وهو حد البلوغ { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } [ فصلت : 45 ] بتزكية النفس بأحكام الشرع { وَإِنَّهُمْ } [ فصلت : 45 ] ؛ يعني : النفوس وصفاتها { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } [ فصلت : 45 ] ؛ يعني : من إلهامات الحق ، هل هي من الله أم لا ؟ { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً } [ فصلت : 46 ] في تزكية نفسه { فَلِنَفْسِهِ } [ فصلت : 46 ] ؛ لأن فلاحها في صلاحها بالتزكية { وَمَنْ أَسَآءَ } [ فصلت : 46 ] بمخالفات الشريعة { فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] ؛ أي : فعليها راجعة إساءتها ؛ لأنها تقاسي ضرها وتلافي شرها ، { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] بل هم يظلمون على أنفسهم بالإساءة .