Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 32-38)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن آياته البينات بقوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } [ الشورى : 32 ] يحثهم على الفكرة المنبهة لهم في السفن التي تجري في البحار ، فيرسل الله تعالى الرياح مرة ويسكنها أخرى وما يريهم من السلامة والهلاك ، والإشارة في هذا إلى مسلك الناس في خلال فتن الوقت من الأنواع المختلفة ، ثم حفظ العبد في إيواء السلامة ، وذلك يوجب خلوص الشكر الموجب له جزيل المزيد فيه إشارة أخرى ، { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ } جواري سنن هممهم العالية في بحر الدنيا ، جارية بريح العناية الأزلية إلى ساحل الحضرة الربوبية بغير سكون والتفات إلى ما في بحر الدنيا ، { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ } [ الشورى : 33 ] ؛ أي : على ظهر البحر بفضله وكرمه ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [ الشورى : 33 ] يشير إلى كل من صبره بالله وشكره بالله ، فإنه تعالى هو الصبور الشكور ، { أَوْ يُوبِقْهُنَّ } [ الشورى : 34 ] بعدله وقسطه { بِمَا كَسَبُوا } [ الشورى : 34 ] من موجبات الهلاك ، { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } [ الشورى : 34 ] ؛ أي : وإنه يعفو عن كثير من الذنوب المهلكات ، { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا } [ الشورى : 35 ] بالهوى والطبيعة من غير بينة { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } [ الشورى : 35 ] خلاص من الله وعذابه ، ثم قال : { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الشورى : 36 ] ؛ يعني : إن الراحات في الدنيا لا تصفو من المشائب ولا تخلو ، وإن أنفق البعض منها من الأجانين فإنها سريعة الزوال وشبكة الارتحال ، { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } [ الشورى : 36 ] من الثواب الموعود { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ الشورى : 36 ] من هذا القليل الموجود ؛ بل ما عند الله من الألطاف الخفية ، والمقامات العلية ، والمواهب السنية خير وأبقى مما في الدنيا والآخرة ، { لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [ الشورى : 36 ] لا على الدنيا ولا على الآخرة ، { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ } [ الشورى : 37 ] وهو حب الدنيا ومتابعة الهوى ، فإنهما رأس كل خطيئة ومنشؤها ، { وَٱلْفَوَاحِشَ } [ الشورى : 37 ] وهي الاشتغال بطلب الدنيا وصرفها في اتباع الهوى ، { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } [ الشورى : 37 ] ؛ أي : يتجرعون كاسات الغضب النفسانية بأفواه القلوب الروحانية ، ويسكنون سورة الصفة الشيطانية ، { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ } [ الشورى : 38 ] فيما دعاهم إليه بخطاب { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] ، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } [ الشورى : 38 ] ؛ أي : أداموا بالحضور والمراقبة والسير ، وبقوله : { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } [ الشورى : 38 ] يشير إلى التمسك بذيل إرادة المشايخ في السلوك إلى الحضرة ؛ ليتسلكوا بمشاورتهم وإرشادهم لا باسترسال النفس والهوى وتلقين الشيطان ، كما قال الجنيد : " من لم يكن له أستاذ فأستاذه الشيطان " ، { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } [ الشورى : 38 ] من الولاية والهداية { يُنفِقُونَ } [ الشورى : 38 ] على طالبي أرباب طلب الله بصدق الإرادة .