Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 51-56)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبقوله : { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الزخرف : 51 ] يشير إلى أن من تعزز بشيء من دون الله فحتفه وهلاكه في ذلك الشيء ، فلما تعزز فرعون بملك مصر وجري النيل بأمره فكان فيه هلاكه ، وكذلك من استصغر أحداً سلطه الله عليه ، كما أن فرعون استصغر موسى عليه السلام وحديثه وعابه بالفقر واللكنة ، فقال : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [ الزخرف : 52 ] ، { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } [ الزخرف : 53 ] فسلام الله عليه وكان هلاكه في يديه . وفيه إشارة أخرى وهي : إن قوله : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ } هو من خصوصية صفة إبليس فكانت هذه الصفة توجد في فرعون وكان في صفة فرعون قوله : { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] ولم توجد هذه الصفة في إبليس ؛ ليعلم أن الله أكرم الإنسان باستعداد يختص به ، وهو قوله : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] فإذا افسد استعداده واستنزله دركة لا يبلغه فيها إبليس وغيره وهي أسفل سافلين فيكون شر البرية ، ولو استكمل استعداده ينال رتبة في القربة لا يسعه فيها ملك مقرب فيكون خير البرية . وبقوله : { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } [ الزخرف : 54 ] يشير إلى أن كل من استولى على قوم فاستخفهم فأطاعوه رهبة منه وإن آمنوا من سطوته فخالفوه أمناً منه ، فإذا استولى سلطان القلب على قومه وهم النفس وصفاتها وهواها ، فاستخفهم بالرياضة والمجاهدة على وفق الشريعة وقانون الطريقة أطاعوه رهبة منه ، بأن يزيد في جهادهم ورياضتهم ومخالفة طباعهم ، وإن استولت على قومها وهم القلب والروح وصفاتهما فاستخفهم بمخالفات الشريعة ، وموافقات الهوى والطبيعة فأطاعوها رهبة إلى أن يتخلقوا بأخلاقها فأطاعوها رغبة ، وبقوله : { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الزخرف : 55 ] يشير إلى أن إغضاب أوليائه إغضابه ، وإنه ينتقم لأوليائه من أعدائه كما أخبر في حديث رباني : " من عاد لي ولياً فقد بارزني بالحرب ، وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الجرو لجروه " ، وهذا أصل في باب الجمع أضاف أسلافهم أولياءه إلى نفسه ، وفي الخبر أنه يقول : " مرضت فلم تعدني " ، وقال في صفة نبينا صلى الله عليه وسلم : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] فجعلناهم سلفاً متقدمين ، ومثلاً يتعظ بهم من خلفهم من المتأخرين .