Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 14-18)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبقوله : { قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } [ الجاثية : 14 ] ، يشير إلى أن المؤمنين إذا غفروا لأهل الجرائم ، وإن لم يكونوا أهل المغفرة لإصرارهم على الكفر والإيذاء يصير متخلقاً بأخلاق الحق ، ثم الله تعالى يجزي كل قوم جزاء عملهم ، كما قال : { لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ الجاثية : 14 ] من الخير والشر . { مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً } [ الجاثية : 15 ] ، من العفو للجرم { فَلِنَفْسِهِ } [ الجاثية : 15 ] ؛ يعني : نفسه تتصف بصفة العفو والمغفرة وهي من صفات الله ، { وَمَنْ أَسَآءَ } [ الجاثية : 15 ] ، من المعصية والظلم { فَعَلَيْهَا } [ الجاثية : 15 ] ؛ أي : تصير نفسه متصفة بالعصيان والظلم ، وهو من صفات الشيطان ، { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [ الجاثية : 15 ] على حسب صفاتكم وأعمالكم ، إن كنتم من الأبرار فإن الأبرار لفي نعيم ، وإن كنتم فجاراً فإن الفجار لفي جحيم . وبقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } [ الجاثية : 16 ] ، يشير إلى القلب وصفاته ؛ لأنه محل تنزيل الكتاب ، وهو الإلهامات الربانية والإشارات والخواطر الرحمانية ، وكشف المعاني الحكمية ، وشواهد الأسرار [ الربانية ] ؛ إنما هو القلب وصفاته ، { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ الجاثية : 16 ] ؛ وهي الواردات الرحمانية الطيبة من حيث صفات النفس والشيطان ، { وَفَضَّلْنَاهُمْ } [ الجاثية : 16 ] ؛ أي : القلوب { عَلَى ٱلْعَالَمينَ } [ الجاثية : 16 ] ؛ أي : على أهل عالم قالبهم من الروح والسر والخفى ، وإن كان الروح في بدء الأمر أشرف من القلب ؛ لإفاضة فيضه عليه ، ولما صار عرش القلب استواء صفة رحمانية الحق تعالى فضله الله على الروح بهذه الخاصية . { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } [ الجاثية : 17 ] ، وهو بيان كشف العيان ، { فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ } [ الجاثية : 17 ] ؛ يعني : النفس والقلب في الإعراض والإقبال على الله ، { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } [ الجاثية : 17 ] ، العياني والبياني { بَغْياً بَيْنَهُمْ } [ الجاثية : 17 ] ، من طبيعة النفس وهواها { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ الجاثية : 17 ] ؛ أي : يوم إحياء القلوب بنور الصدق والمحبة { فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [ الجاثية : 17 ] ، من الإعراض النفساني والإقبال القلبي . ثم أخبر عن الشريعة النبوية المصطفية بقوله تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا } [ الجاثية : 18 ] ، يشير إلى أنا أفردناك من جملة الأنبياء بلطائف فاعرفها ، وخصصناك بحقائق فأدركها ، وسننا لك طريق فاسلكها ، وأثبتنا لك الشرائع فاتبعها ، ولا تتجاوز عنها ولا يحتاج إلى متابعة غيرك ، ولو كان موسى وعيسى حياً لما وسعهما إلا إتباعك . ثم قال : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [ الجاثية : 18 - 19 ] .