Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 23-27)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن جزاء أهل الأهواء ؛ أي : بقوله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } [ الجاثية : 23 ] ، يشير إلى الفلاسفة والدهرية والطائفية ، من لم يسلك سبيل الإتباع ، ولم يستوف أحكام الرياضة بتأديب الطريقة على قانون الشريعة ، ولم ينسلخ هواه بالكلية ، ولم يؤدبه ، ولم يسلكه إمام مقتدى في هذا الشأن من أرباب الوصال والوصول ، بل اقتدى بأئمة الكفر والضلالة ، وانتفى آثارهم بالشبهات العقلية وحسبان البراهين القطعية ؛ فوقع في شبكة الشيطان ، فأخذه بزمام هواه ، وأضله في نبه هواه ، وربما دعاه إلى الرياضة وترك الشهوات ؛ لتصفية العقل وسلامة الفكر ، فيمينه إدراك الحقائق حتى أوبقه في وهدات الشبهات فيهم في كل ضلالة ، ويضل في كل فج عميق ، وأصبح خسرانه أكثر من ربحه ، ونقصانه أوفر من رجحانه ، { وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ } [ الجاثية : 23 ] ؛ لئلا يسمع الحق ، { وَقَلْبِهِ } [ الجاثية : 23 ] ؛ لئلا يفهم الحق ، { وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً } [ الجاثية : 23 ] ، لئلا يرى الحق { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } [ الجاثية : 23 ] ؛ أي : لا يقدر على هدايته إلا الله ، { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } [ الجاثية : 23 ] ، أرباب العقول السليمة أنهم في ضلالة بعيد يعملون القرب على ما يقع لهم من نشاط نفوسهم زمامهم بيد هواهم ، أولئك أهل المكر استدرجوا من حيث لا يشعرون . { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } [ الجاثية : 24 ] ، يشير إلى أن من ختم الله على قلبه انحسم مادة نظره إلى عالم الآخرة ، كالأنعام لا ترى إلا عالم الحس ، فلا يؤمن بما في الغيب من البعث وتنكره ، { وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } [ الجاثية : 24 ] ؛ أي : بإنكار البعث { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } [ الجاثية : 24 ] الظنون الكاذبة . { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ } [ الجاثية : 25 ] لا يسمعون ؛ لأن سمعهم مختوم عليه { مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ } [ الجاثية : 25 ] عند عقولهم السخيفة في انتفاء السمع ، { إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ } [ الجاثية : 25 ] ؛ أي : أحيوهم { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الجاثية : 25 ] في الإحياء بعد الموت ؛ فأجابهم الله تعالى بقوله : { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [ الجاثية : 26 ] ؛ يعني : بالأحياء يوم القيامة لا في الدنيا ، وفيه إشارة إلى أهل الإشارة { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ } بالحياة الإنسانية ، { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عن صفاتكم الإنسانية الحيوانية ، { ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ } بالحياة الربانية إلى يوم القيامة ، وهي النشأة الأخرى { لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ الجاثية : 26 ] عند أرباب النظر ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الجاثية : 26 ] ؛ لأنهم أهل النسيان والغفلة . { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ } [ الجاثية : 27 ] ، سماوات القلوب يحي منها ما يشاء بنوره ، ويميت ما شاء بظلمة النفوس ، { وَٱلأَرْضِ } [ الجاثية : 27 ] أرض النفوس ، يحيي منها ما شاء بنوره ، ويميت منها ما شاء بالحرص والشهوة ، ويميت منها ما شاء بنور الإيمان والإخلاص ، { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ } [ الجاثية : 27 ] ، وهو يوم نشور القلوب عن قبور الصدور بقيام المحبة ، { يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ الجاثية : 27 ] ، الذين أبطلوا الاستعداد الفطري .