Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 19-23)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبقوله : { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ الأحقاف : 19 ] ، يشير إلى أن من منة الله أن يجازي على حسب أعمالهم من الخير والشر ، ولكل واحد من السعادة والشقاوة ، وبحسب أعمالهم ونياتهم فيها منازل يبلغونها ، وهم لا يظلمون في التوفية . ثم أخبر عن آثار أهل النار بقوله تعالى : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } [ الأحقاف : 20 ] ، يشير إلى أن للنفس طيبات من الدنيا الفانية ، وللروح طيبات من الآخرة الباقية ، من اشتغل باستيفاء طيبات نفسه في الدنيا يحرم في الآخرة من استيفاء طيبات روحه ؛ لأن في طلب استيفاء طيبات النفس إبطال استعداد الروح في استيفاء طيباته في الآخرة مودعة ، وفي ترك استيفاء طيبات النفس في الدنيا كمالية استعداد الروح في استيفاء طيبات في الآخرة مودعة ؛ فلهذا يقال لأرباب النفوس : { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } [ الأحقاف : 20 ] ، بأنكم استكبرتم في قبول دعوة الأنبياء في ترك شهوات النفس واستيفاء طيباتها ؛ لئلا تضيع طيبات أرواحكم ، { وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } [ الأحقاف : 20 ] تخرجون من أوامر الحق ونواهيه ، ويقال للروح وأرباب القلوب : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ } [ الحاقة : 24 ] في الأيام الخالية ، ولما كانت نفوسهم تاركة لشهواتها بتبعية الروح ، يقال لهم : { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } [ فصلت : 31 ] ؛ أي : من نعيم الجنة فإنها من طيباتها وتلذ الأعين ، وهو مشاهدة الجمال والجلال وهي طيبات الروح . وبقوله : { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الأحقاف : 21 ] ، يشير إلى أن كل نبي بعث لإنذار قومه : { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } ؛ أي : لا تعبدوا النفس وهواها وشهواتها الدنيوية ؛ لكي لا يذهبوا طيباتهم في الحياة الدنيا ، فإن فيها عذاباً عظيماً عظيماً ، وهو : فوت الدرجات والقربات ، ونيل الدركات بإتباع الشهوات . وبقوله : { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا } [ الأحقاف : 22 ] ، يشير إلى طباع النفوس المتمردة ، التي اتخذت هواء نفسها وشهوات الدنيا ، وزينتها آلهة يعبدونها ، فمن تدعوهم منها إلى الله وقربه ومعرفته يجيبونه من غاية جهلهم ، وكمال شقاوتهم : أجئتنا لتعرضنا بالإفك عن ألهتنا ، { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } [ الأحقاف : 22 ] من العقاب والثواب ، { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الأحقاف : 22 ] ، إن عبادة الهوى تورث العذاب العظيم ، وإن عبادة الإله تورث الثواب العظيم . { قَالَ } [ الأحقاف : 23 ] أرباب القلوب : { إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ } [ الأحقاف : 23 ] ، من يكون أهلاً للثواب ومن يكون أهلاً للعقاب ، وكما أن الطبيب الحاذق يعلم بنبض المريض أنه فيم علاجه ، ومتى ما يصلح للمريض من الأشربة والمغامن الموافقة له في كل وقت من الأوقات وحال من الأحوال ، وإنما أنا مبلغ { وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ } [ الأحقاف : 23 ] من الأنوار ، { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } [ الأحقاف : 23 ] الصواب من الخطأ والصلاح من الفساد خيرٌ أدلكم على الرشاد .