Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 16-19)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن وفاق أهل النفاق بقوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً } [ محمد : 16 ] ، يشير إلى أهل الأهواء ، الذين هم بمعزل عن السمع الروحاني ، إذا طبع الله على قلوبهم بكفرهم ، فأصمهم الله وأعمى أبصارهم ، فلا يسمعون دعوة الحق ولا يفهمون ، لو يستمعون إليه بسمع الظاهر ؛ لأنهم كما قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } [ محمد : 16 ] ، فضلوا عن سبيل الله . { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ } [ محمد : 17 ] إلى طريق الحق ، فاستمعوا إلى دعوة الحق { زَادَهُمْ هُدًى } [ محمد : 17 ] في طلب الحق ، { وَآتَاهُمْ } [ محمد : 17 ] ربهم { تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] ، وهو الاتقاء بالله عما سواه ، بل اهتدوا بأنواع المجاهدات ، فزادهم هدى بأنوار المشاهدات { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } [ محمد : 18 ] ؛ أي ساعة الوصال { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } [ محمد : 18 ] ، وهي غلبات الشوق وصدق الطلب ؛ فإنه من شرط الوصال كما قال : " ألا من طلبني وجدني " ، { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ } [ محمد : 18 ] ، ساعة الوصال { ذِكْرَٰهُمْ } [ محمد : 18 ] ببقاء الوجود ؛ لأنه من كمال كشف الحقيقة . { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ محمد : 19 ] ؛ أي : فاعلم بعلم اليقين ألاَّ إله بغير اليقين إلا الله بحق اليقين ، فإذا تجلى بصفة علمه الذاتي للجهولية الذاتية للعبد تفنى ظلمة جهوليته بنور علمه ، فيعلم بعلم الله ألاَّ موجود إلا الله ، فهذا مظنة حسبان العبد أن العالم بعلم الله أنه لا إله إلا الله ، كما قال الله { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [ الأنعام : 91 ] ؛ لعلمه ، فقيل : { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } [ محمد : 19 ] ؛ إذ حسبت أنك العالم بوحدانية الله ؛ لأن من وصفه تعالى أنه لا يعلمه إلا هو ، كما أنه لا إله إلا هو ، واستغفر لذنبك { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ محمد : 19 ] بأنهم يحسبون أنهم يحسنوا علم لا إله إلا الله ، فإن من وصفه ما قدروا الله حق قدره . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ } [ محمد : 19 ] ؛ أي : متقلب كل روح في العدم بوصف خاص إلى عالم الأرواح في مقام مخصوص ، { وَمَثْوَاكُمْ } [ محمد : 19 ] ؛ أي : مثوى كل روح إلى أسفل سافلين ، والقالب بوصف خاص إلى عالم الأرواح ، ثم متقلبه من أسفل السافلين القالب بالإيمان والعمل الصالح ، أو بالكفر والعمل الصالح إلى الدرجات الروحانية والدركات النفسانية ، ثم مثواه إلى عليين القرب المخصوص به ، أو إلى سجين البعد المخصوص به مثاله ، كما أن لكل حجر ومدد وشجر وحصب يبنى به داراً متقلباً مخصوصاً ، وموضعاً من الدار مخصوصاً به لا يشارك شيئاً آخر متقلب ؛ ليوضع فيه شيء أخر ، كذلك لكل روح متقلب مخصوص به ومثوى مخصوص به ، لا يشارك فيه أحداً .