Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 14-15)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبقوله : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } [ الحجرات : 14 ] ، يشير إلى أن حقيقة الإيمان ليست مما يتناول باللسان بل هو نور يدخل القلب إذا شرح صدر العبد للإسلام ، كما قال تعالى : { فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [ الزمر : 22 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم في صفة ذلك النور : " " إن النور إذا وقع في القلب انفسح له واتسع " قالوا : يا رسول الله هل لذكرك النور من علامة يعرف بها ؟ قال : " بلى التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت " " ، ولهذا قال تعالى : { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [ الحجرات : 14 ] ، فهذا دليل على أن محل الإيمان القلب . واعلم أن الإيمان حياة القلب ولهذا سمى الله تعالى من لا إيمان له بالميت بقوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } [ النمل : 80 ] ، والقلب لا يحيا إلا بعد ذبح النفوس . { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ الحجرات : 14 ] في الأوامر والنواهي ، فقد ذبحتم النفوس بسيف الصدق ، { لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً } [ الحجرات : 14 ] في ذبح النفوس { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } [ الحجرات : 14 ] ، لمن يهادن النفس في أثناء السلوك ؛ لترعى في بعض مراتعها لئلا تزاحم القلب في طلب مقاصده ، { رَّحِيمٌ } [ الحجرات : 14 ] به . ثم أخبر عن المؤمن الحقيقي بقوله : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ الحجرات : 15 ] ؛ أي : شاهدوا الله بنور الله فأمنوا برسوله ، { ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ } [ الحجرات : 15 ] ، لم يشكوا فيما شاهدوا بنور الله ؛ إذ لم تحجبهم أنفسهم وأموالهم عن نور الله ؛ لأنهم خرجوا من حجب النفس والمال ، { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ الحجرات : 15 ] ببذلها في طلب الله ، { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [ الحجرات : 15 ] ، الذين صدقوا فيما عاهدوا الله عليه ، فلما جعل الإيمان مشروطاً ببذل المال والنفس ، فذكر بلفظ إنما وهي التحقيق يقتضي الطرد والعكس ، فمن أفرد الإيمان عن الشرائط التي جعلها له فمردود عليه قوله .