Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 21-24)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كما قال تعالى : { يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } [ المائدة : 21 ] ، ثم أنذرهم وأوعدهم عليه . وقال : { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ } [ المائدة : 21 ] ، بالامتناع عن الدخول فيها فتجعلوا هذه النعمة على أنفسكم نقمة ودعاء أنبيائكم لكم فيها لعنة والمملكة ذلة { فَتَنْقَلِبُوا } [ المائدة : 21 ] ، بشؤم معاملاتكم ونقض معاهداتكم ، { خَٰسِرِينَ } [ المائدة : 21 ] ، الدنيا والآخرة والمأوى . فما يفهم الإنذار ولا الاستذكار إذ كانوا أهل البوار حتى قالوا : { يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } [ المائدة : 22 ] ، فمن الفرق بين الأمة وبين بني إسرائيل أن الله تعالى كتب عليهم دخول الأرض المقدسة على الخصوص وما وفقوا لدخولها وجعلوا أذلة لم يدخلوا الأرض المقدسة ، وقيل لهذه الأمة : " جعلت لكم الأرض مسجداً وترابها طهوراً " . وَ { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ } [ الملك : 15 ] ، وقوله تعالى : { خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [ البقرة : 29 ] ، فشتان بين من خلق له الأرض بما فيها وجعلت له مسجداً وذلولاً وبين من جعل عليه الأرض المقدسة محرمة وجعل لأجلها ذليلاً . ثم أنعم الله تعالى على رجلين منهم إظهاراً للقدرة بأن يخافوا الله وينصحان لهم بالدخول ليعلم أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، وذلك كقوله تعالى : { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا } [ المائدة : 23 ] ، أي : أنعم الله عليهما فصارا من الذين يخافون { ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ } [ المائدة : 23 ] ، بأمر الله ورسوله واثقين بفضل الله ورحمته { فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ } [ المائدة : 23 ] ، على طاعة الله فتكونوا من حزب الله { فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } [ المائدة : 23 ] ؛ لأن حزب الله هم الغالبون ، ولا تنظروا إلى عظم أجسامهم وقوة أجسادهم ولا إلى ضغف أبدانهم { وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ } [ المائدة : 23 ] ، وقوة إيمانكم { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ المائدة : 23 ] ، بالإيمان الحقيقي فلاحظوا الأغيار بعين الحسبان لا بنور الإيمان فتوهوا منهم الحدثان ، فداخلهم هواجم الرعب فاصبروا على ترك الأمر ومن طالع الأغيار بنور العرفان لم يختم من أهل الخذلان . { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا } [ المائدة : 24 ] ، فمن أقصته سوابِقٌ التقدير لم تُخَلِّصْه لواحقُ التدبير ، تركوا أدب الخطاب فصرحوا بما يوجب العقاب { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] ، فلم يخشوا من مجاهر الرق ولم يستوحشوا من مجاهرة الضد .