Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 25-28)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن نتائج خذلانهم وبوادر كفرانهم بقوله تعالى : { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي } [ المائدة : 25 ] ، والإشارة أن موسى عليه السلام لما ظن أنه يملك نفسه ونفس أخيه ، قال : رب لا أملك إلا نفسي وأخي ابتلاه الله بالدعاء على أمته حتى قال : { فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [ المائدة : 25 ] ، فأظهر له أنك لو كنت تملك نفسك ما دعوت على أمتك ، ولا سميتهم بالفاسقين ، ولقلت اللهم أهد قومي وأصلحهم في عبوديتك كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم حين نتج رأسه وكسرت رباعيته وأدمى وجهه وهو يقول : " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " ولهذا قال تعالى : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } [ الفتح : 11 ] ، لأنه لا يملك أحد نفسه ولا نفس غيره على الحقيقة فالله تعالى حرم على الذين دعا عليهم موسى عليه السلام دخول الأرض المقدسة بدعائه . { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ } [ المائدة : 26 ] ، وأخذ موسى عليه السلام على دعائه عليهم وجعل معهم في التيه وقال له : { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [ المائدة : 26 ] ، يعني : لا تحزن على قوم سميتهم فاسقين ، ولا على نفسك ولا على أخيك ، وإنما يملك نفسه إذا ملكت عليها عند الغضب ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " وكان موسى عليه السلام عند الغضب { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } [ الأعراف : 150 ] ، ولما غضب موسى عليه السلام على بني إسرائيل قال : { فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [ المائدة : 25 ] ، فلم ادعى أنه يملك نفسه ، ويقال معناه : لا أملك إلا نفسي لا أؤخرها عن البذل في أمرك ، ولا أملك أخي فإنه لا يخالفني في هذا فالعجب في أن موسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام - بشؤم معاملة بني إسرائيل بقيا في التيه أربعين سنة ، وبنو إسرائيل ببركة كرامتهما ظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى في التيه ليعلم أثر بركة صحبة الصالحين ، وأثر شؤم صحبة الفاسقين . ثم أخبر عن سيرة الصالح وسيرة الطالح بقوله تعالى : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ } [ المائدة : 27 ] ، والإشارة أن آدم الروح بازدواجه مع حواء القالب ولد قابيل النفس وتوأمته إقليما الهوى ، في بطن أولى ، ثم هابيل القلب وتوأمته ليوذا العقل ، فكان الهوى في غاية الحسن ؛ لأن القلب به يميل إلى طلب المولى وما عنده مهر محبب إليه ، وكان ليوذا العقل في نظر هابيل في غاية القبح والدمامة ؛ لأن القلب به يغفل عن طلب الحق والفناء في الله ، ولهذا قيل العقل غفالة الرجال ، وفي نظر قابيل النفس أيضاً في غاية القبح ؛ لأن به يغفل عن الدنيا والاستهلاك فيها فالله تعالى حرم الازدواج بين التوأمين كلاهما وأمر بازدواج توأمه كل واحد منهما إلى توأم الأخرى ؛ لئلا يغفل القلب عن طلب الحق بل يحرضه الهوى على الاستهلاك والفناء في الله ، ولهذا قال بعضهم : لولا الهوى ما سلك أحد طريقاً إلى الله تعالى ، فإن الهوى إذا كان رفيق النفس يكون حرصاً فيه نزل النفس إلى أسفل الدينا ، وبعد المولى ، وإذا كان رفيق يكون عشقاً فيه يصعد القلب إلى أعلى عليين العقبى وقرب المولى ، ولهذا سمي العشق هوى كما قال الشاعر : @ أتاني هواها قبلَ أن أعرفَ الهوى فصادفَ قلبي فارغاً فتمكَّنا @@ ولتعقل النفس عن طلب الدنيا بل يحرضها العقل على العبودية وينهاها عن متابعة الهوى ، فذكر آدم الروح لولديه ما أمر الله به ، فرضي هابيل القلب ، وسخط قابيل النفس وقال : هي أختي - يعنى إقليما الهوى - ولدت معي في بطني ، وهي أحسن من أخت هابيل القلب - يعنى ليوذا العقل - وأنا أحق بها ، ونحن من ولائد جنة الدنيا ، وهما من ولائد أرض العقبى فأنا أحق بأختي ، فقال له أبوه : إنها لا تحل لك يعنى ؛ إذ كان الهوى قرينك فتهلك في أودية حب الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها ؛ فأبى أن يقبل قابيل النفس هذا الحكم من آدم الروح ، وقال : الله تعالى لم يأمر به وإنما هذا من رأيه ، فقال لهما آدم الروح : قربا قرباناً فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بها ، فخرجا ليقربا ، وكان قابيل النفس صاحب زرع يعني مدبر النفس النامية ، وهي القوة النباتية فقرب طعاماً من أردأ زرعه ، وهو القوة الطبيعية ، وكان هابيل القلب راعياً يعنى مواشي الأخلاق الإنسانية والصفات الحيوانية ، فقرب جملاً يعنى الصفة البهيمية ، وهي أحب الصفات إليه لاحتياجه إليها لضرورة التغذي والبقاء ، ولسلامتها بالنسبة إلى الصفات السبعية الشيطانية ، فوضعا قربانهما على جبل البشرية ، ثم دعا آدم الروح ، فنزلت نار المحبة من سماء الجبروت ؛ فأكلت جمل الصفة البهيمية ؛ لأنها حطب هذه النار ، ولم تأكل من قربان قابيل النفس حبة لأنها ليست من حطبها بل هي من حطب نار الحيوانية ، فهذا تحقيق قوله تعالى : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ } [ المائدة : 27 ] . ثم ظهر لقابيل النفس الحسد والعداوة والبغضاء على هابيل القلب وقصده { قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ } [ المائدة : 27 ] ، حسداً { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 27 ] ، بالله عما هو سواه { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي } [ المائدة : 28 ] ، حسداً { مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ } [ المائدة : 28 ] ، حسداً وأمنعك من قتلي بغير إذن بقاء بل أريد أن تقتلني { إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ المائدة : 28 ] .