Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 29-32)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } [ المائدة : 29 ] ، فتبوء بإثم وجودي وإثم وجودك فإن الوجود حجاب بيني وبين محبوبي { فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } [ المائدة : 29 ] ، نار الفرقة والبعد والحسرة { وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } [ المائدة : 29 ] ، الذين يعبدون الدنيا وزينتها ويشتغلون باستفاء لذاتها وشهواتها . ثم أخبر عن مطاوعة النفس ومتابعتها والندامة والغرامة على متابعتها بقوله تعالى : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } [ المائدة : 30 ] ؛ لأن النفس أعد أعداء القلب { فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ المائدة : 30 ] ، يعني : في قتل القلب خسارة النفس في الدنيا والآخرة أما الدنيا فتحرم عن الواردات والكشوف والعلوم الغيبية التي تنشئ القلب عن ذوق المشاهدات ولذة المؤنسات فتبقى في خسران جهولية الإنسان ؛ لقوله تعالى : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 1 - 2 ] ، وأما في الآخرة فتخسر الدخول في جنات النعيم ولقاء الرب الكريم ، والنجاة من الجحيم والعذاب الأليم ، وفي قوله : { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ } [ المائدة : 31 ] ، إشارات منها ليعلم أن الله قادر على أن يبعث غراباً أو غيره من الحيوانات إلى الإنسان ؛ ليعلمه ما لم يكن يعلم كما يبعث الملائكة إلى الرسل والرسل إلى الأمم ؛ ليعلموهم ما لم يعلموا ، ومنها لئلا يعجب الملائكة والرسل أنفسهم باختصاصهم بتعليم الحق فانه يعلمهم بواسطة الغراب ، كما يعلمهم بواسطة الملائكة والرسل ، ومنها ليعلم الإنسان أنه محتاج في التعلم إلى غراب ويعجز أن يكون مثل غراب في العلم كما قال : { قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي } [ المائدة : 31 ] ، ومنها أن الله تعالى في كل حيوان بل في كل ذرة آية تدل على وحدانيته وربوبيته واختياره حيث يبدع المعاملات المعقولة عن الحيوانات غير العاقلة ، ومنها إظهار لطفه مع عباده في أسباب العيش حتى إذا أشكل عليهم أمر كيف يرشدهم إلى الاحتيال بلطائف أسباب تجليه { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } [ المائدة : 31 ] . { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ } [ المائدة : 32 ] ، أي : من أجل تلك الندامة والحسرة عنها ولدفعها عنهم كتبنا أي : أظهرنا على بني إسرائيل وغيرهم أنه من قتل نفساً بغير قصاص نفس أو بغير فساد يظهر منه موجب لقتله { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } [ المائدة : 32 ] ، في الأرض لأن كل نفس على حدة هي آدم في نفسها إذ يخلق الله منها خلقاً ، كما خلق من نفس آدم كقوله تعالى : { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ النساء : 1 ] ، فإنها مستعدة لهذا فمن أبطل هذا الاستعداد بقتلها فكأنما قتل جميع الناس المحتمل خلقهم منها ، { وَمَنْ أَحْيَاهَا } [ المائدة : 32 ] ، بترك قتلها ونجاتها من القتل والهلاك ، { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ } [ المائدة : 32 ] ، المحتمل خلقهم منها { جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ } [ المائدة : 32 ] . واعلم أن كل شيء ترى فيه آية من الله تعالى فهو في الحقيقة رسول من الله إليك ومعه آية بينة ومعجزة ظاهرة يدعوك بها إلى الله ، { ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ } [ المائدة : 32 ] ، يعني : من الذين شاهدوا الآيات ولحقتهم البينات { بَعْدَ ذٰلِكَ } [ المائدة : 32 ] ، أي : بعد رؤية الآيات { فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } [ المائدة : 32 ] ، أي : في أرض البشرية لمجاوزون حد الفريضة والطريقة بمخالفة أوامر الله ونواهيه .