Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 42-44)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } [ المائدة : 42 ] ، يعني : أخلاقهم الرديئة أورثتهم الأعمال الدنيئة ، وأن الأخلاق نتائج الأعمال والأعمال نتائج الأخلاق كلها من نتائج الجوهر الفطري والاستعداد الأصلي فمن خساسة الجوهر قنعوا بحظوظ خسيسة وتزهدوا عن أعراض نفيسة { فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً } [ المائدة : 42 ] ، يعني : فإن جاءك هؤلاء المعلولون طالبي دعائهم فاحكم بينهم تداوياً لدائهم إن رأيت التداوي سبباً لشفائهم . { وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } [ المائدة : 42 ] ؛ يعني : داوهم على ما يستحقون من دائهم وأواصل النفرة بالإذلال { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [ المائدة : 42 ] ، الإقساط الدوران مع الحق حيث ما دار والوقوف عليهم من غير ميل إلى الحظوظ . ثم أخبر عمن تولى عن حكم النبي والمولى بقوله تعالى : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } [ المائدة : 43 ] ، والإشارة أن في نفي تحكيم اليهود النبي صلى الله عليه وسلم لعدم الإيمان به ولغيره من الأنبياء حقيقة إثبات الإيمان الحقيقي لمحاكمته ؛ إذ قال تعالى : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } [ المائدة : 43 ] ، أي يعرضون عن حكم الله مع زعمهم أنهم يؤمنون بها { وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } [ المائدة : 43 ] ، حقيقة يدل على هذا التأويل قوله تعالى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } [ النساء : 65 ] ، ثم قال { إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ } [ المائدة : 44 ] ، كما أرسلناك هادياً تهدي إلى صراط مستقيم ، وجعلناك نوراً ، فلما لم تهتدوا بهدي النورية ونورها مع زعمهم أنهم يؤمنون بها ، فكيف يهتدوا بهداك ونورك فهم كافرون بك وبما أنزلنا إليك ، وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ، وقوله : { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 44 ] ، إشارة إلى أنه استحفظ بني إسرائيل التوراة فحرفونها وضيعوها وما حفظوها ، ومن الله على هذه الأمة فخصهم بالقرآن وتولى سبحانه حفظه عليهم فقال : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] ، فلهذا ما قدر أحد أن يحرف شيئاً من القرآن : { وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ } [ المائدة : 44 ] ، بينون ما يخفى منه كما فعله ابن صوريا ثم نهي الحكام أن يخشى غير الله في حكوماتهم ، فقال تعالى { فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ } [ المائدة : 44 ] ، فإن الخلق تحت أحكام القدرة مقهورون ، وعند جريان القضاء والقدر مجبورون ، فلا سبيل إلى الخشية منهم فلا يصح الخوف عنهم ، وخافوني أن كنتم مؤمنين بقدرتي على الإيجاد مؤمنين { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي } [ المائدة : 44 ] ، بمعجزاتي مع الأنبياء وبكرامات مع الأولياء { ثَمَناً قَلِيلاً } [ المائدة : 44 ] ، من حطام الدنيا وتمتع النفس بالهوى والامتناع عن قبول حكم المولى فإنه يوجب خسارة الأخرى والأولى { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ المائدة : 44 ] ؛ لأن من اتخذ حكماً غير الله ولم يستسلم تحت جريان الحكمة رضاء وتسليماً ، فلا يخلوا عن شرك خاطر قلبه وكفر قاهر عقله .