Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 24-31)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ } [ الطور : 24 ] من واردات الحق تعالى ، { كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } [ الطور : 24 ] ، لا كدورة فيهم من نقوش الدارين ، والقوم عن الدار وعمن في الدارين مختطفون باستيلاء ما يستغرقهم من تتابع الكاسات في بحر الحياة . { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ } [ الطور : 25 ] ؛ يعني : القلب والروح { عَلَىٰ بَعْضٍ } [ الطور : 25 ] ؛ يعني : على النفس { يَتَسَآءَلُونَ * قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ } [ الطور : 25 - 26 ] ؛ أي : قبل السير والسلوك { فِيۤ أَهْلِنَا } [ الطور : 26 ] ؛ أي : في عالم الإنسانية { مُشْفِقِينَ } [ الطور : 26 ] ، خائفين من سموم صفات البهيمية والسبعية والشيطانية والشهوات الدنياوية ؛ فإنها مهب سموم قهر الحق تعالى ، { فَمَنَّ ٱللَّهُ } [ الطور : 27 ] تعالى { عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } [ الطور : 27 ] سموم قهره ، ولولا فضله ما تخلصنا منه بجهدنا وسعينا ، بل { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ } [ الطور : 28 ] ، ونتضرع إليه بتوفيقه في طلب النجاة وتحصيل الدرجات ، { إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ } [ الطور : 28 ] لمن يدعوه ، { ٱلرَّحِيمُ } [ الطور : 28 ] لمن ينيب إليه . ثم أخبر عن التذكير لدفع التقصير بقوله تعالى : { فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [ الطور : 29 - 30 ] ، يشير إلى أن طبيعة الإنسان متنفرة في حقيقة الدين ، مجبولة على حب الدنيا وزينتها وشهواتها ، والجوهر الروحاني الذي جبل على فطرة الإسلام في الإنسان موزع بالقوة كالجوهر في المعدن ، فلا نستخرج إلى الفعل إلا بجهد جهيد ، وسعي تام على قانون الشريعة ، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاده ، وبعده بإرشاد ورثة علمه وهم العلماء الربانيون الراسخون في العلم من المشايخ المسلكين ، وفي زمان كل واحد منهم . والخلق مع دعوى إسلامهم ينكرون على سواهم في الأغلب ، ويستعدون ترك الدنيا والعزلة والانقطاع عن الخلق ، والتبتل إلى الله ، وطلب الحق تعالى إلا من كتب الله في قلوبهم الإيمان ، وأيدهم بروح منه ، وهو الصدق في الطلب وحسن الإرادة المنتجة في بذر ، { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] ، و { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [ المائدة : 54 ] ، وإلا من خصوصية طبيعة الإنسان أن يمرق من الدين ، كما يمرق السهم من الرمية ، وإن كانوا يصلُّون ويصومون ، ويزعمون أنهم مسلمون ولكن بالتقليد لا بالتحقيق ، اللهم إلا من شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه . وفي قوله : { فَذَكِّرْ } إشارة أيضاً إلى أن التذكير على النبي والشيخ واجب في كل حال والعظة للخلق ؛ ليحيي من حيي عن بينة وهلك من هلك عن بينة ، ومن طبيعة الإنسان أن ينسب أهل التحقيق من الإنسان والمشايخ إلى الكهانة والجنون والسحر والشعر . وبقوله : { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } [ الطور : 31 ] ، يشير إلى النصير في الأمور ودعوة الخلق ، والتوكل على الله فيما يجري على عباده والتسليم لأحكامه في المقبولين والمردودين . تفسير عين الحياة { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ } [ الطور : 24 ] ؛ أي : غلمان أخلاقهم الكريمة الشريفة ، { كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } [ الطور : 24 ] في اللطافة مصورة عن أن يصل إليه غبار عالم الحدوث ، وكدورة دخان الهوى . { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الطور : 25 ] من هذا النعيم كيف يستحقها ، { قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } [ الطور : 26 ] ؛ يعني : كنا نشفق على قوانا وجوارحنا المستعملة في دار الكسب ، ونمنعها عن التورط في غمرة ، والاشتغال باللهو واللعب ، والاشتغال بنيران الشهوة والغضب ، { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } [ الطور : 27 ] ، يعني منَّ الله علينا بالتوفيق في دار الكسب للإشفاق على الأهل والتوخي عن متاع الزور وادخار هذه النعمة في دار الجزاء ، بأعمالنا الصالحة التي عملناها بتوفيقه ، ووقانا أيضاً من عذاب السموم ، الذي هو نتيجة ريح الهوى ونار الشهوة بمنِّه وتوفيقه ، الذي أعطاناه لتسكين ريح الهوى وإخماد نار الشهوة في الدنيا . { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } [ الطور : 28 ] ؛ يعني : أنبأتنا اللطيفة المرسلة بأنه هو البر الرحيم ، إننا بلطائفنا دعوناه بأسمائه الحسنى وعرفناه بصفاته المثلى ، وعلمناه بأنه كان تاب علينا حين أوجدنا وأبدعنا أولاً ، ثم رحيماً علينا بإرساله اللطائف المرسلة إلينا ، وتنبيهها إيانا بأن فيها النيران وقتل الحيات والعقارب ، وتعليمها لنا كيفية إخماد النيران وقتل الحيات والعقارب ، وكيفية تبديل هذه الصفات الذميمة بالصفات الكريمة ، التي هي الغلمان والولدان ، التي نحن نتنعم بمشاهدتهم اليوم صورها ؛ { فَذَكِّرْ } [ الطور : 29 ] ؛ يعني : ذكري أيتها اللطيفة الخفية قواك وأمتك ما علمناك بالوارد ، وبصرناك بكشف الغطاء ليشاهد ما في الغيب ، ولا تخافي من أسن القوى المنكرة المنافقة المشركة بأنهم يقولون : إنك كاهن يلقي إليه الشيطان هذه المعاني ، أو مجنون خلط عقله من كثرة المجاهدة ، وضعف دماغه من خشونة الرياضة ؛ { فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } [ الطور : 29 ] ، والذي دعاني إلى كتب هذه الإشارات أو الرموز ، وهداني إلى إبراز هذه الجواهر النفيسة من الكنوز هو أمره الجازم المطاع ، ولست ممن يخاف لومة لائم ، ولا ممن يبالي بأن يقال له : إنك كاهن أو مجنون . وأقول حقاً وأعرف صدقاً بأن { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } [ الأنعام : 125 ] ، { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ * ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ } [ البقرة : 26 - 27 ] . { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [ الطور : 30 ] ؛ يعني : تقول القوة المنكرة المنافقة : إنه شاعر مثل الشعراء الماضين ، فعن قريب يموت ولا يبقى له تبعاً ؛ فينبغي ألاَّ يلتفت إلى قوله ، ولا نترك هوانا ومشهياتنا ودين آبائنا ، وهو متابعة الهوى على وفق مراد النفس . قولي أيتها النفس اللطيفة الخفية { قُلْ تَرَبَّصُواْ } [ الطور : 31 ] ؛ أي : انتظروا الموت ، { فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } [ الطور : 31 ] ؛ يعني : إني أيضاً منتظر ، حتى يأتيكم الموت بغتة والأمر فجاءة ، ويكشف عنكم الأغطية ، يقولون : { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا … } [ السجدة : 12 ] الآية ، ويجيبكم القدر بقوله : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] .