Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 101-104)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن تفرد ذاته وصفاته بقوله تعالى : { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ الأنعام : 101 ] ، { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [ الأنعام : 102 ] ، إلى قوله : { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الأنعام : 103 ] ، والإشارة فيها : أنه تعالى موصوف بالتنزيه ذاته وصفاته بحيث { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ } [ الأنعام : 103 ] ؛ أي : لا تلحقه المحدثات لا الأبصار الظاهرة ولا الأبصار الباطنة ، تقدَّست بالصمدية عن كل لحوق ودرك ينسب إلى مخلوق ومحدث . { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ } [ الأنعام : 103 ] ، بالتجلي لها ، فيفني المحدثات فيكون هو بصره الذي يبصر به ، فالقوة عند التجلي الأبصار الظاهرة والباطنة في الرؤية بنور الربوبية ، { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الأنعام : 103 ] ، أي : هو اللطيف من أن يدركه المحدثات أو يلحقه المخلوقات ، الخبير بمن يستحق أن يتجلى له الحق تعالى ويدرك أبصاره باطلاعه عليها فيستعد بها للرؤية ، ومن لطفه أنه أوجد الموجودات وكون المكونات فضلاً منه وكرماً من غير استحقاقها للوجود . ثم أخبر عن إيضاح السبيل وإيضاح الشكر بقوله تعالى : { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } [ الأنعام : 104 ] ، إلى قوله : { بِوَكِيلٍ } [ الأنعام : 107 ] ، الإشارة فيها : إن الله تعالى أعطى لكل عبد بصيرة ؛ لقلبه يبصر بها الحقائق المودعة في الغيوب ، والكمالات المعدة لأرباب القلوب ، كما أعطى بصراً لقالبه يبصر به الأعيان في الشهادة ، وما أعد لهم فيها من المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح ، فقد قال تعالى : { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ } [ الأنعام : 104 ] ، يعني : من نظر ببصر البصيرة إلى المراتب العلوية الأخروية الباقية والبصر كمالات القرب ، وما أعد الله : مما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فيشتغل تحصيله ويقبل على الله بسلوك سبيله ، ويعرض عن الدنيا الدنية ، ويترك زينتها وشهواتها الفانية ، فكذلك تحصيل سعادة وكرامة لنفسه ، { فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ } [ آل عمران : 97 ] . { وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } [ الأنعام : 104 ] ، يعني : من عمي عن النظر بالبصيرة عن هذه الكمالات لمَّا أبصر ببصر القلب إلى الدنيا وزينتها واستلذ بشهواتها ، واستحلى مراتعها الحيوانية ، فعميت بصيرته ، { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] ، فذلك تحصيل شقاوة وخسارة على نفسه ، { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [ الأنعام : 104 ] ، أحفظكم عن هذه الشقاوة ، وأبلغكم من غير اختياركم وصدق طلبكم إلى تلك السعادة المعدة للسعداء .