Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 12-16)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن الهالكين في الغفلة وكمال الرحمة بقوله تعالى : { قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ } [ الأنعام : 12 ] ، والإشارة فيهما أن ما في الكون سوى الله لا داع ولا مجيب ، قل : " أنت " يا محمد [ لأنك ] لا بك ؛ بل بتكوني إياك ، وناد لمن في السماوات والأرض ؛ فلا تجد على الحقيقة مجيباً مكوناً من غير تكويني إياه ، فقل : " أنت " يا محمد [ لأنك ] لا بك ؛ بل بتكوني القول فيك الله ؛ أي : لله ما في السماوات والأرض حلقاً وملكاً ووجوداً وعدماً وإيجاداً واعداً ، فهو الأول الكون والآخر والظاهر والباطن { كَتَبَ } [ الأنعام : 12 ] ، في أزليته { عَلَىٰ } [ الأنعام : 12 ] ، ذمة كرم { نَفْسِهِ } [ الأنعام : 12 ] ، وحقيقة هيئته { ٱلرَّحْمَةَ } [ الأنعام : 12 ] ، بخلقه ومكوناته { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } [ الأنعام : 12 ] ، بالإيجاد لإظهار الرحمة في الوجود المجازي { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ } [ الأنعام : 12 ] ، الذي { لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ الأنعام : 12 ] ، وهو يوم ظهور آثار الصفة القهارية لا يبقى فيه إلا الوجود الحقيقي ، فأنادي بعزتي ولعظمتي { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [ غافر : 16 ] ، فلا يكون مجيباً لا في الصورة ولا في المعنى غير واحديتي ، فأجيب لذاتي بذاتي { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . ففي ذلك اليوم { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } [ الأنعام : 12 ] ؛ أي : أفسدوا استعدادات أنفسهم لقبول الكمال في الدنيا ، وذاقوا ألم خسرانهم في نقصانهم ، ووجدوا عقوبة حرمانهم وخسرة خذلانهم { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 12 ] ، بعد { وَ } قد شاهدوا على الحقيقة وعاينوا أن { لَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [ الأنعام : 13 ] ؛ أي : من سكن في ليل البشرية إلى التمتعات الحيوانية ، ومن سكن في نهار الروحانية إلى المواهب الربانية ؛ كانوا ملكاً له يظهر عليهم آثار صفات قهره ولطفه ؛ فالمعنى : فإنهم يؤمنون ولكن يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ، ويظهر لهم في ذلك اليوم أن الله { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } [ الأنعام : 13 ] ؛ أي : كان سميعاً لما يسخرون من الأنبياء والأولياء ويطعنون فيهم ويكذبونهم { ٱلْعَلِيمُ } [ الأنعام : 13 ] ، بما كانوا يعمرون ولا يظهرون من حيث عقائدهم ، فجازهم به وهو السميع ثناؤه من سكن إليه العليم تعلق من اشتياق إليه . ثم أخبر عن امتناع النبي من اتخاذ غير الله الولي بقوله تعالى : { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } [ الأنعام : 14 ] ، إلى قوله : { وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } [ الأنعام : 16 ] ، والإشارة فيها : أن قل أغير الله اتخذ اليوم ولياً ؟ ! وقد اتخذني الله في أزليته حبيباً كما قال صلى الله عليه وسلم : " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً " . { فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الأنعام : 14 ] أي : فاطر سماوات القلوب على محبته ، وفاطر أرض النفوس على عبوديته { وَهُوَ يُطْعِمُ } [ الأنعام : 14 ] ، أرواح العارفين من طعام المشاهدات ، وليسقيهم شربات المكاشفات كقوله صلى الله عليه وسلم : " أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " ، { وَلاَ يُطْعَمُ } [ الأنعام : 14 ] ، غيره هذا الطعام والشراب { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ } [ الأنعام : 14 ] ، في الأزل وخصصت { أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } [ الأنعام : 14 ] ؛ أي : أخلص عن جنس الوجود وما خلص عنه غيره بالكلية ، ولهذا يقول الأنبياء : نفسي نفسي ، وهو يقول : أمتي أمتي ، وخاطبني بخطاب التكوين ، وقال في الأزل : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] ، فما كنت من المشركين في أيام النبوة . { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي } [ الأنعام : 15 ] ، برؤية الضر والتفاته { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الأنعام : 15 ] ، فهو يوم الشرك والعذاب العظيم ، كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] ، وعذاب الشرك أن نزل قدمه عن مقام الوحدة { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ } [ الأنعام : 16 ] ، عذاب الشرك { يَوْمَئِذٍ } [ الأنعام : 16 ] ، يوماً قدر فيه الشرك لأقوام { فَقَدْ رَحِمَهُ } [ الأنعام : 16 ] أي : نظر إليه بالرحمة فيرحمه وعافاه عن الشرك ، كما قال لحبيبه يومئذ : و { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } ، فما كان { وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } [ الأنعام : 16 ] ، لمن نجاه من الشرك وألزمه التوحيد .