Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 6-11)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن أحوال أمثالهم بقوله تعالى : { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } [ الأنعام : 6 ] ، والإشارة فيها أن المكذبين والمستهزئين بأرباب الطلب وأهل الحق ألم يروا كم أهلكنا أرواح المكذبين والمستهزئين من قبلهم من قرن لشؤم ذنوبهم واستهزائهم { مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنعام : 6 ] ، في طلب الحق وقهر النفس ونهي الهوى ، وترك الدنيا وإقامة الطاعات وإدامة الخيرات { مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ } [ الأنعام : 6 ] ، أيها المكذبون منها شيئاً { وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ } [ الأنعام : 6 ] ؛ أي : مطر الواردات من سماء القلوب { عَلَيْهِم مِّدْرَاراً } [ الأنعام : 6 ] ، متوالياً متعاقباً { وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ } [ الأنعام : 6 ] ؛ أي : مياه الحكمة { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ } [ الأنعام : 6 ] ؛ أي : من تحت نظرهم ، { فَأَهْلَكْنَٰهُمْ } [ الأنعام : 6 ] مع هذه المقدمات { بِذُنُوبِهِمْ } [ الأنعام : 6 ] ؛ أي : أهلكنا أرواحهم بعد أن تمكنوا من أموالنا واستغنوا بزاهد نوالنا ، فوطنوا على كواذب المنى قلوبهم وطلبوا من الدنيا محبوبهم ، ففتحنا عليهم من مكامن التقدير بسوء التدبير فشربوا من كؤوس الذنوب سموم القلوب ، فإن الذنوب سمومها كما أن الطاعات له حباتها { وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ } [ الأنعام : 6 ] ؛ أي : من بعد إعراضهم عن الحق وإتباعهم الهوى وهلاك أرواحهم بطلب الدنيا واستيفاء لذاتها وشهواتها { قَرْناً آخَرِينَ } [ الأنعام : 6 ] ، من الطلاب الصادقين المخلصين التائبين المستقيمين في الطلب . ثم أخبر عن حرمان أهل الخذلان بقوله تعالى : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ } [ الأنعام : 7 ] ؛ أي : قوله : { مَّا يَلْبِسُونَ } الإشارة فيها أن من أعرض عن الحق ، وأقبل على الدنيا وشهواتها يعمى له قلبه فلا يشاهد الآيات ، وإن جعلته في كسوة الصورة ، قال تعالى : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الأنعام : 7 ] ، بالإعراض عن الحق { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ الأنعام : 7 ] ؛ لأن الله تعالى قد أعمى أبصارهم التي يبصرون الحق بها فما ازدادوا من ظهور الآيات إلا تمادياً في الباطل وإنكاراً على الحق ، { وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } [ الأنعام : 8 ] ، وهذا الاعتراض من نتائج الإعراض وما تغني الشرح عن عمى بعد البصيرة { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ } [ الأنعام : 8 ] أي : لقضي أمر النبوة بين الإنسان والملك وآل أمرها إلى الملك وليست النبوة من شأنه ، وإنما خص بها الإنسان . ولهذا قال : { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً } [ الأنعام : 9 ] ، يخاطبكم وتخاطبونه ، { لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } [ الأنعام : 9 ] ، لاحتياج أن لبسه لباس البشرية حتى تسمعوا خطابه وكلامه ، وهو يكون واقفاً على ابتلاء الإنسان من أحوال البشرية ، فيكلمهم من حيث ما هم عليه ويعالجهم بما يرى في صلاح حالهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم كالطيب ، فينبغي أن يكون من جنس من يعالجه ، كما قال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } [ إبراهيم : 4 ] ، وقد منَّ الله تعالى على الخلق بأن جعل رسولهم من جنسهم ، فقال تعالى : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ] ، ثم قال : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [ الأنعام : 9 ] يعني : إلينا الهداية والضلالة من لم تقدس سره لبس عليه أمره ، فلا تغني الحجج إلى الأبد عمن عدم عناية الأزل . ثم أخبر عن عاقبة أهل الاستهزاء والتكذيب بقوله تعالى : { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } [ الأنعام : 10 ] ، الآيتين والإشارة فيهما أن الاستهزاء من نسيم النفوس المتمرد بأرباب الدين من الأنبياء والأولياء في كل زمان وحين ، كما قال تعالى لحبيبه ونبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } [ الرعد : 32 ] ، وذلك من عزة الدين وكمالية أرباب ولهوان الهوى ونقصانه أصحابه ، فإن قطرة من الهوى تكدر بحراً من الصفاء فمن غلب عليه الهوى يستغرق في بحر الدنيا ، فيعمى عن العواقب والعقبى ، فلا يؤثر فيه كلام الأنبياء والأولياء ولا يزدادون منه إلا الطغيان والنقمة والاستهزاء . { فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ } [ الأنعام : 10 ] ؛ أي : أحاط بقلوبهم { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } [ الأنعام : 10 ] ، من ظلمة الهوى وكدورته فبقيت محجوبة عن الله تعالى ومعرفته { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنعام : 11 ] ، في أرض النفوس سير القدم التقوى ومخالفة الهوى إلى أن تبلغوا سواحل بحار القلوب ، { ثُمَّ ٱنْظُرُواْ } [ الأنعام : 11 ] ، بأنوار الله المودعة فيها ؛ لتشاهدوا وتعاينوا { كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [ الأنعام : 11 ] ، بالدين وأحوال أربابه ، وهلكوا في بوادي القطيعة ؛ إذ سافروا على أقدام الطبيعة .