Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 130-134)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن إقرارهم بالكفر بعد إنكارهم ، بقوله تعالى : { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [ الأنعام : 130 ] ، إلى قوله : { وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } [ الأنعام : 132 ] ، الإشارة فيها : إن المخاطب في قوله تعالى : { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } الإنسانية التي هي مجبولة على الصفات الشيطانية والملكية والحيوانية ، { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } [ الأنعام : 130 ] ، يشير بالرسل : إلى الهامات الربانية ، وبالآيات : إلى بيان الفجور والتقوى للنفس بالإلهام ، كما قال تعالى : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [ الشمس : 8 ] . { وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } [ الأنعام : 130 ] ، يعني : قد أتتكم من الله الإلهامات بما يصلح لكم ، وبما يفسد استعدادكم الفطري ، ويخوفكم من سوء العاقبة والحرمان عن لقاء الحق ، والابتلاء بشقاوة الأبد ، وأنتم ما اتعظتم بها وأبيتم قبولها ، { قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا } [ الأنعام : 130 ] ؛ يعني : النفس بصفاتها ، { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } [ الأنعام : 130 ] ؛ أي : لذاتها وشهواتها وزينتها وزخارفها ، { وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } [ الأنعام : 130 ] ؛ يعني : أقروا عند الحرمان عن السعادة العظمى أنهم بذواتهم كانوا عند صدأ مرآة قلوبهم وسائري صفاتها عن قبول فيض النور وشواهد الحق . { ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ } [ الأنعام : 131 ] ؛ يعني : قرى أشخاص الإنسان ، { بِظُلْمٍ } [ الأنعام : 131 ] ، والظلم : هو صرف الاستعداد الفطري لقبول الفيض في استيفاء لذات الطبع وشهوات النفس ، { وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ } [ الأنعام : 131 ] ، عن إنذار رسل الإلهامات الربَّانية ، وذلك أن الاستعداد الروحاني لا يفسد استيفاء حظوظ الحيواني في الطفولية ، إلا بعد أن يصير العبد مستعداً لقبول فيض العقل وفيض الإلهام عند البلوغ ، فيخالف الإلهامات ويتبع الهوى ، فيفسد بذلك حسن الاستعداد لقبول الفيض الإلهي ، كقوله تعالى : { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ ص : 26 ] ، وهذا كما أنه تعالى لا يعذب قوماً بلغهم الدعوة حتى يبعث فيهم رسولاً ، فيخالفونه فيعذبهم بها . وقد عبَّر لسان الشرع عن هذا المعنى ، بأنه لا يجري عليه قلم تكاليف الشريعة إلا بعد البلوغ بالأوامر والنواهي ؛ لأنه أواني ترقي الروح باستعمال المأمورات ، ونقصانه باستعمال المنهيات ، وهذا معنى قوله تعالى : { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } [ الأنعام : 132 ] ؛ يعني : في استعمال المأمور والمنتهي في الترقي والنقصان ، { وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ } [ الأنعام : 132 ] ، عند ترك المأمور وإتيان المنتهى ، وعند إثبات المأمور وترك المنهي عند ترقية الروح وتنقيصه ، وهو معنى قوله : { عَمَّا يَعْمَلُونَ } [ الأنعام : 132 ] . ثم أخبر عن غناه وافتقارنا إلى رضاه بقوله تعالى : { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ } [ الأنعام : 133 ] ، إلى قوله : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ } [ الأنعام : 135 ] ، الإشارة فيها : إن الله تعالى خلق نوع الإنسان إظهاراً لسعة رحمته وكمال قدرته لا للاحتياج إليه ، فقال تعالى : { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ } يعني : عن كل مخلوق عامة ، وعن الإنسان الذي يشرك به خاصة ، { ذُو ٱلرَّحْمَةِ } يعني : مع غناه عن الخلق فرض رحمة قد اقتضت إيجاد الخلق ؛ ليربحوا عليه لا ليربح عليهم ، { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } [ الأنعام : 133 ] ، أي : له مشيئة واختيار فيما شاء وقدره على أن يستأصل نوع الإنسان ، { وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ } [ الأنعام : 133 ] ، أيها الإنسان ، { مَّا يَشَآءُ } [ الأنعام : 133 ] ، من نوح آخر . { كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } [ الأنعام : 133 ] ؛ يعني : كما كان قادراً على إنشائكم من الذُرِّيَّات ، كذا قادر على إنشاء قوم آخرين من غير الذُرِّيَّات ، كما أنشأ آدم وحواء من غير ذُرِّيَّة { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ } [ الأنعام : 134 ] ؛ يعني : أوعد لكم من الإتيان به أولاً وآخراً ، فهو قادر على الإتيان به ، { وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } [ الأتعام : 134 ] ، بما تعين له عن الإتيان به .