Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 138-140)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ } [ الأنعام : 138 ] ؛ يعني : قالوا هذه المقالة من هوى نفسهم ، وميل طبيعتهم لامتثال الشرع ، فإن نور الشرع مزيل لظلمة الطبع ، والعمل بالطبع وإن كان فيه نوع من المجاهدات للنفس ومخالفاتها ، فإن له ظلمة تزيد في ظلمة النفس والهوى ، و { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } [ النور : 40 ] ، { وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ } [ الأنعام : 138 ] ، هذا كله من تسويسات النفس ووساوس الشيطان ؛ ليضل بهما عن سبيل الله . ثم قال تعالى في جوابهم : { سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [ الأنعام : 138 ] ، ومجازاتهم بأن يطبع قلوبهم بطباع الافتراء ، كما قال تعالى : { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } [ النسا : 155 ] ، أي : بطباع كفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً ، وقالوا أيضاً : من هوى نفوسهم ، { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ } ، ثم قال تعالى : في جوابهم : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } [ الأنعام : 139 ] ، سيجزيهم بتغير وصفهم من الصدق إلى الكذب ؛ أي : ينقلهم من الأوصاف الحميدة إلى الأوصاف الذميمة ، { إِنَّهُ حِكِيمٌ } [ الأنعام : 139 ] ، فيما حكم به وقضى عليهم ، عليم باستحقاقهم لما قدر عليهم ، وأيضاً { عَلِيمٌ } [ الأنعام : 139 ] ، بتغير أوصافهم . ثم أخبر عن خسرانهم فيما عملوا ، وحرمانهم إذ ضلوا بقوله : { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ } [ الأنعام : 140 ] والإشارة فيها : إن خسارة أهل الأهواء وخسارة أهل الطبيعة تصير إلى حد قتلهم أولادهم ، وذلك من قساوة قلوبهم وتبديل أوصافهم ؛ لافترائهم على الله تعالى ، قال الله عز وجل : { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ } يعني : خسروا وأفسدوا استعدادهم الفطري ، حتى نزعت الرحمة عن قلوبهم ؛ لقسوتهم وتبديل أوصافهم حتى فعلوا ذلك ، { سَفَهاً } [ الأنعام : 140 ] ، وجهلاً . { بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 140 ] ، يعني : عند عدم فقد قلوبهم وانقطاع الهامات الربَّانية عنها لقسوتها وانسداد مسالكها إلى عالم الغيب وعند ذلك ، { وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 140 ] ، في الصورة والحقيقة ، أمَّا الصورة : فرزقناهم ، وأمَّا الحقيقة : فحرمناهم من كمالات مراتب أهل القرب من المشاهدات والمكاشفات الربَّانية ، { ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ } [ الأنعام : 140 ] ، يعني : بسبب افترائهم على الله تعالى ، فإنهم { قَدْ ضَلُّواْ } [ الأنعام : 140 ] ، بالافتراء عن طريق الحق ؛ لفساد استعدادهم في الاهتداء إلى الله ، { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } [ الأنعام : 140 ] ، إذ افسدوا استعداد الاهتداء ؛ فانسد عليهم طريق الثقة بالله ، فحملتهم خشية الفقر على قتل الأولاد ؛ ولذلك قال أهل التحقيق : من إمارات اليقين وحقائق كثرة العيال على بساط التوكل .