Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 28-32)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فأخبر الله أنه لا ينفعهم التمني بعد فوات الفرصة وإفساد الاستعداد ، وقال تعالى : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ } [ الأنعام : 28 ] ؛ أي : ظهر لهم الشقاوة المتمكنة التي كتب لهم وكانوا يسترون آثارها في عالم الصورة بلباس البشرية ، ويسترونها بالتكليف من قبل تجرؤهم عن كسوة الصورة { وَلَوْ رُدُّواْ } [ الأنعام : 28 ] ، إلى عالم الصورة { لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ } [ الأنعام : 28 ] ؛ أي : إلا ما نهوا { عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] ، من اتباع الهوى واتخاذه إلهاً مرة أخرى لفاسد الاستعداد وردوا إلى الاستعداد الفطري الذين جلبوا عليه يستعملونه مرة أخرى في الأعمال والأخلاق التي هي أسباب تحصيل الشقاوة { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] ، فيما يدعون لأنهم خلقوا مستعدين للكذب لا للصدق { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [ الفتح : 23 ] ، { وَقَالُوۤاْ } [ الأنعام : 29 ] ، بعدما ردوا إلى استعدادهم الذي كانوا عليه القابل للكذب والإنكار { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } [ الأنعام : 29 ] نعيش فيها ثم نموت { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [ الأنعام : 29 ] ، بعد أن متنا وذلك لأنهم مجبولون على إنكار البعث وتكذيب الرسل ، وأنهم قد كانوا في عالم الأرواح مشاهدين المطاف الحق ومخاطبي قوله : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] ، ومجيبي { بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] ، فلما بعثوا إلى عالم الصورة وحجبوا بلباس البشرية فنسوا تلك الأحوال والأقوال ، ولم يسمعوا عن الأنبياء حين ذكروا بتلك الأيام كما قال تعالى : وذكرهم بأيام الله فما نفعتهم الذكرى ، إذا طبعوا كافرين وقال تعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الذاريات : 55 ] ، فكذلك لو ردوا إلى عالم الصورة لنسوا ما شاهدوا من الأحوال ولعادوا إلى ما كانوا عليه من الإنكار دون الإقرار . ثم أخبر عن خسران أهل الخسارات بقوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } [ الأنعام : 30 ] ، إلى قوله : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنعام : 32 ] ، الإشارة فيها أن القيامة يوم ينكشف فيه الأسرار وتنتهك فيه الأستار ، فكم من محلل بثوب تقوية حكم له مقارنوه بأنه زاهد في دنياه ، راغب في عقباه ، محب طولاه ، مفارق لهواه ، كشف الأمر عما توهموه فافتضح عندهم بغير ما ظنوه ، ولو ترى إذ وقفوا على ربهم غداً ؛ أي : وقفوا على ربوبيته عند ظهورها بالقهر ولو وقفوا على الربوبية في الدنيا لوقفوا عند ظهورها باللطف ، فمن خفي عليه الربوبية ؛ فلغلبة القهر ، ومن ظهر له به الربوبية اليوم ؛ فغلبة اللطف بلسان القهر { قَالَ } [ الأنعام : 30 ] ، لأهله { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ } [ الأنعام : 30 ] ، قهر الربوبية { قَالُواْ } [ الأنعام : 30 ] ، بلسان ذوق القهر { بَلَىٰ وَرَبِّنَا } [ الأنعام : 30 ] ، الذي أذقنا ألم قهر الربوبية { قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ } [ الأنعام : 30 ] ؛ أي فذوقوا ألم عذاب البعد عند ظهور القهر فإنكم كنتم معذبين به في الدنيا ، ولكن ما كنتم تذوقون ألم عذابه كالذي يأكل مال اليتيم إنما يأكل في بطنه ناراً ، ولكن لا يذوق ألمها يوم القيامة قوله تعالى : { بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } [ الأنعام : 30 ] ؛ يعني : بسبب الحجاب الذي كنتم بسببه تكفرون في الدنيا تذوقون ألم عذاب البعد في الآخرة { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 31 ] ؛ يعني : أفسدوا استعداد الروحانية الذي كانوا به ملاقي ربهم يوم الميثاق فمن فسادهم كذبوا في الدنيا بلقاء الله وهو الوصول إلى الله في الدنيا والرجوع إليه في الآخرة ، فخسروا بسبب التكذيب سعادة الدارين لا من الجاه والمال والمقام والحال بل من الوصول كما قيل شعر : @ لعمري لئن أزرفت دمعي فإنه لفرقة من أفنيت في ذكره سرى @@ { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } [ الأنعام : 31 ] ، وهي إشارة إلى الساعة التي تجذب العبد من أوصاف البشرية بجذبات المحبة بها فجأة وهي قيمة أخرى ؛ لأن فيها تبدل أرض البشرية غير الأرض بنور ربها فينظر المحب الصادق بالنور الساطع إلى أيام ضاعت منه في طلب غير الحق ويتأسف على تضييعها ، وتضييع ما فات عنه من صيد الوصال وفيض غيره فيتحسر ويقول كما قيل شعر : @ أَيُّها القانِصُ ما أَحــ ــسَنتَ صَيدَ الظَبَياتِ فاتَكَ السِربُ وما زُو وِدتَ غَيرَ الحَسَراتِ @@ { قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا } [ الأنعام : 31 ] ، ضيعنا العمر في عنوان الشباب { فِيهَا } [ الأنعام : 31 ] ؛ أي : في تحصيل المرام فصرنا ، وقد حصلنا من الحجب أسباب البعد ما يشق علينا السلوك مع حملها { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ } [ الأنعام : 31 ] ، أثقال التعلقات الزاهدة { عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } [ الأنعام : 31 ] ؛ أي : ظهور وجودهم ؛ فإن الوجود على السالك نقل مانع عن السلوك فكيف أزيد عليه { أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } [ الأنعام : 31 ] ، على الوجود وحمله { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ } [ الأنعام : 32 ] ؛ يعني : الحياة التي تكون للتمتعات الدنيوية النفسانية { إِلاَّ لَعِبٌ } [ الأنعام : 32 ] ، الصبيان { وَلَهْوٌ } [ الأنعام : 32 ] ، أهل العصيان زواله سريعاً ويبقى ضرره منيعاً ؛ لأنه يذوب في الحجب { وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } [ الأنعام : 32 ] ، وهي السير من البشرية إلى الروحانية بترك الشهوات والإعراض عن غير الحق ، والإقبال إلى الله { خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } [ الأنعام : 32 ] ، عما سوى الله بالله { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنعام : 32 ] ، أن الله خلقكم لهذا الشأن لا لغيره كما قال تعالى : { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } [ طه : 41 ] .