Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 101-105)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومما يؤكد هذه المعاني قوله تعالى : { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا } [ الأعراف : 101 ] ؛ أي : القرى التي أهلكنا أهلها ، { وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } [ الأعراف : 101 ] عند مجيء الرسل وإظهار المعجزات ، { بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } [ الأعراف : 101 ] إيصال أرواحهم بالقالب يوم الميثاق ؛ إذ قال الله تعالى لهم : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] وهم ذُرِّيَّات في صورة ذرة ، { قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] أقروا بالربوبية كلهم ، ولكن كان من أركان الإيمان : إقرار باللسان وتصديق بالجنان ، فوجدا في حق المؤمنين منهم ، ووجد الإقرار دون التصديق في حق الكافرين منهم بأن الله قد طبع قلوبهم عند استماع الخطاب ورد الجواب . ثم قال تعالى : { كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } [ الأعراف : 101 ] ؛ أي : كما طبع على قلوب الكافرين اليوم طبع على قلوب الذريات يوم الميثاق حتى أقروا بلا تصديق القلب من نتائجه ، فما كانوا ليؤمنوا اليوم بما كذبوا من قبل ، ثم قال تعالى : { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ } [ الأعراف : 102 ] ، يشير إلى أن أكثرهم كان مما طبع الله على قلوبهم يوم الميثاق فما وفوا بما عاهدوا عليه . { وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } [ الأعراف : 102 ] ؛ أي : وما وجدنا أكثر هؤلاء إلا خارجين عن الإسلام والوفاء بالعهود . ثم أخبر عن قوم موسى عليه السلام وأنهم ساروا بسيرتهم بقوله تعالى : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } [ الأعراف : 103 ] إلى قوله : { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } [ الأعراف : 122 ] الإشارة فيها : أن في قوله تعالى : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } إشارة إلى أن الأغلب أهل كل زمان وقرن ، أكثرهم غافلون عن الدين وحقائق مستغرقون في بحر الدنيا ، مستهلكون في أودية الشهوات واللذات النفسانية الحيوانية { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } [ النور : 40 ] ، وإن الله من كمال رأفته ورحمته على خلقه يبعث عند انصرام كل قرن وانقراض كل هدم نبياً بعد نبي ، كما يخلف قوماً بعد قوم وقرناً بعد قرن ويظهر المعجزات على ذلك النبي ؛ ليخرجهم بظهور نور المعجزات من ظلمات الطبيعة إلى نور الحقيقة ، فبعث موسى نبيه عليه السلام ، وختم إليه هارون عليه السلام صفيه إلى فرعون وأيد معه الآيات والمعجزات . { فَظَلَمُواْ بِهَا } [ الأعراف : 103 ] أي : ظلموا على المعجزات بأن جعلوها سحراً فوضعوها في غير موضعها ، { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ الأعراف : 103 ] الذين أفسدوا الاستعداد الفطري بركونهم إلى الدنيا وشهواتها ، { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الأعراف : 104 ] يعني : رسولاً من رسله الذي أرسلهم من مكارم ربوبيته إلى عالم كل زمان ، { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } [ الأعراف : 105 ] ؛ لأن الرسول ما ينطق عن الهوى إلا بوحي حق يوحى من الحق ، فالناطق بالحق قائم بحقائق الجميع ، فانٍ عن الخلق وآثار التفرقة ، { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأعراف : 105 ] بحجة قائمة من اليد والعصا ، { فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الأعراف : 105 ] لأهديهم إلى صراط مستقيم ، وأنجيهم من عذاب أليم .